وصية عبد العزيز للسوريين

مشاري الذايدي

هذه الأيام كنت أطالع مجلًدا ممتًعا حوى كل أعداد جريدة سعودية قديمة، اسمها «أخبار الظهران» صدرت من ديسمبر (كانون الأول) 1954 حتى أبريل (نيسان) 1957. وكان سجلاً حافلاً ونادًرا للقضايا السعودية، الداخلية والخارجية.

للتذكير، فإن الملك المؤسس عبد العزيزُتوفي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1953، ما يعني قرب عهد جريدة «أخبار الظهران»، التي كان الأديب والصحافي السعودي، الرائد، عبد الكريم الجهيمان هو مدير تحريرها، من عهد النشأة السعودية الحديثة.

في العدد الأول من الجريدة، الصادر، لفتني هذا الخبر، وذلكم النص، عن الملك عبد العزيز، حيث يقول: «عندما زار مصر في الحرب الأخيرة، استقبل وفًدا من الصحافيين السوريين وأسداهم نصحه الكريم بالدعوة إلى التضامن، وألا يأخذوا بدسائس الغير، ثم قال لهم:

لقد كنت أسمع في أذني هذه، وأشار إليها، أن السوريين قوم يقولون كثيًرا، لكنهم لا يجمعون على رأي واحد، وكنت أتجاوز عن هذا القول، لأني مدرك أن دمشق هي مبعث الحركة العربية وصاحبة الفضل الكبير في التقريب بين البعيد والقريب، فعليكم أن تتماسكوا وتهجروا المنافع، فالوقت الآن وقت الملّمات».

ثم يضيف: «لقد عشت خمًسا وعشرين سنة في الفيافي والقفار، ولقيت من شظف العيش ومرارة الحياة شيًئا كثيًرا، ونالني من طعنات السيف والسنان ما جعل الحياة في نظري لا تساوي شيئا مذكوًرا بالنسبة إلى إعلاء كلمة الحق ورفع راية الاستقلال (ثم أشار جلالته إلى أحد أصابعه المشّوهة في بعض المعارك وكشف عن ساعده الأيسر مشيًرا إلى طعنة فيه، وإلى طعنات سواها في جسمه)».

يخاطب السوريين آنذاك، بصراحة حول قضيتهم الوطنية: «أنا إن دعوتكم أيها السوريون إلى التضامن والعمل، فإنما أدعوكم من أجل بلادكم، من أجل سوريا (وبدا على جلالته التأثر، فضرب الأرض بعصاه ضرًبا خفيًفا). وقال: ثقوا بأني لا أطمع في حكم سوريا، بل أريدها دولة مستقلة استقلالاً تاًما. إن وصيتي لكم أن تعملوا متضامين. إني للعرب عموًما، ولسوريا خاصة». (جريدة «أخبار الظهران»، العدد الأول، 26 كانون الأول 1954).

كان حديث سوريا حينها، عن الاستقلال، والاستعمار، والتقسيم، واختلاف الأحزاب والكتل السياسية، وكان حديث عبد العزيز متجًها لصميم العّلة الشامية التي أضاعت الحق في غبار التنابذ.

الآن، تعاني القضية السورية الوطنية، مع وحشية النظام، وغزو الروس، وإجرام الإيرانيين وتوابعهم، ومصيبة «داعش»، وراديكالية «النصرة»، من التناحر على المناصب والتمثيل والنفوذ، وبعد جهد جهيد ظهر الجسم السياسي الممثل للشعب السوري الرافض لمشروع بشار ومن يدعمه. ما صّح بالأمس، يصح اليوم، والاتحاد قوة.