مصر والسعودية والحاجة إلى شراكة إستراتيجية

 محمد السعيد إدريس

 

تدرك مصر، وعن يقين، أن المملكة العربية السعودية «مصلحة مصرية» و«أمن وطنى مصري» و«شريك لا استغناء عنه» لمواجهة التحديات والمخاطر التى تواجه مصر والسعودية وكل العالم العربي، وبالذات تحديات أربعة شديدة الخطورة؛ أولها الخطر الإرهابى الذى يهدد وحدة واستقلال وامن معظم الدول العربية وفى القلب منها مصر والسعودية. وثانيها خطر انفراط وانقسام العديد من الدول العربية إلى كيانات طائفية ودينية وعرقية فى ظل صراعات تتفاقم ناتجة عن إخفاقات الدول وفشلها فى القيام بوظائفها الأساسية خاصة الوظيفة التنموية والوظيفة الأمنية والوظيفة التكاملية وعجزها عن إشباع الحاجات الأساسية للمواطنين فى العدل والحرية والكرامة، وناتجة أيضاً عن تدخلات واختراقات خارجية تخدم أهداف ومصالح قوى إقليمية وأخرى دولية. وثالثها تداعى النظام العربى وتعرضه للانفراط فى ظل السقوط المتوالى لأنظمة حكم عربية وغياب القيادة العربية للنظام القادرة على تكتيل قواه والتصدى للتحديات التى تواجهه، وفى ظل اختراقات وأطماع غير مسبوقة للقوى الإقليمية الثلاث المتنافسة: إسرائيل، وإيران، وتركيا التى باتت قادرة على القيام بالأدوار الأساسية فى الأزمات التى تواجه الدول العربية مقارنة بعجز النظام العربي، الأمر الذى بات يهدد بقاء هذا النظام العربي. أما التحدى الرابع فهو تجدد الصراع الساخن بين القوى الدولية خاصة الولايات المتحدة وروسيا على أرض العرب وبالأخص فى سوريا التى باتت مهددة بكارثة مواجهة عسكرية أمريكية- روسية مدمرة على أراضيها، والتى إن حدثت ستؤدى حتماً إلى كوارث من الصعب حصرها أو تحمل تكلفتها. 

مصر تدرك ذلك وتدرك أن هذا الوقت هو وقت التأسيس لـ «شراكة إستراتيجية مصرية سعودية» تكون بمثابة نواة التأسيس الجديد لقوة عربية قادرة على إعادة بناء النظام العربى على أسس جديدة تحقق طموحات الشعب العربى من ناحية وتتوافق من ناحية أخرى مع حقائق الواقع العربى والإقليمى والدولى وتحدياته. كما تدرك أن تأسيس مثل هذه الشراكة له شروطه وله متطلباته، أبرزها الشفافية والندية فى إدارة العلاقات، والتكامل فى القدرات، والتوافق على أجندة عمل لإنجاز المطلوب من المهام وفق قواعد متفق عليها لترتيب الأولويات، وفرز دقيق للتحديات. 

تدرك مصر أن هذه الشراكة الإستراتيجية مع السعودية هى محور الارتكاز للنهوض الجديد المأمول للنظام العربى ومنطلق التأسيس لمستقبل عربى جديد قادر على تجاوز الواقع التعيس الذى يتهدد الجميع، لكن يبدو أن السعودية لا تعطى لهذا التوجه والإدراك، بل والمسعى المصرى الجاد، الأهمية أو الأولوية اللازمة لإنجازه، وهنا يكون السؤال الضرورى هو :لماذا؟ 

هل هناك تباين فى المصالح من هذه الدعوة، وأن للسعودية إدراكا لشراكات أو لتحالفات بديلة، أم هناك فقط تباين فى الإدراك لأولوية تحقيق هذه الشراكة ولحدود التعاون السعودى مع مصر؟ ربما تكون هناك أولويات أخرى للسعودية تسبق أو تنافس أولوية التحالف الإستراتيجى مع مصر؟ ربما يكون سبب الفتور السعودى فى التجاوب مع هذا المسعى المصرى هو وجود فهم سعودى آخر لأدوار كل طرف فى هذه العلاقة هل هى شراكة ندية أم هى شراكة تبعية، وربما يكون السبب هو التباين بين الرياض والقاهرة فى إدراك مصادر التهديد للأمن العربى وللقضايا الأولى بالاهتمام، وأن ما تراه مصر أولوية تستحق المبادرة أو الاهتمام لا تراه السعودية كذلك، وأن المملكة تدرك مخاطر أخرى وقضايا أخرى ذات أولوية بالنسبة لها قد لا تعطيها مصر نفس الأولوية. ربما يكون بعض هذه الأمور أو كلها مسئولة عن الفتور السعودى فى التفاعل مع المسعى المصرى لتأسيس شراكة إستراتيجية مع المملكة، لكننا لا نستبعد، فضلاً عن ذلك، أن هناك من يرفضون هذه الشراكة كما تراها مصر الآن، أو من لا تروق لهم هذه الشراكة وهذا التوجه الإستراتيجى المصرى من قوى داخلية فى السعودية وأيضاً فى مصر، وربما كذلك من أطراف عربية وأخرى إقليمية ودولية ترى أن مثل هذه الشراكة تهدد مصالحها أو تتعارض مع أهدافها. 

الأسئلة كثيرة والأسباب أيضاً كثيرة والمحصلة، كما شهدها الخلاف الأخير الذى تفجر فى مقر الأمم المتحدة فى نيويورك أن السعودية أبعد ما تكون عن بديهيات القواعد التى تؤسس عليها التحالفات والشراكات الإستراتيجية بين الدول وخاصة حق الاختلاف والندية الكاملة فى الأدوار والمواقف. 

والآن علينا أن نعود إلى أصل القضية وهى أن مصر مازالت حريصة بل وواعية بحتمية التأسيس لشراكة إستراتيجية حقيقية مع المملكة الشقيقة لسبب بسيط هو أنه ليس هناك من بديل آخر للبلدين للخروج بالأمة العربية من كبوتها الراهنة. 

هذا الحرص المصرى على تأسيس تلك الشراكة مع السعودية نابع من إدراك أصيل بأن هذا الوقت ليس وقت العبث بثوابت تربط الشعبين الشقيقين وضرورات تهم الأمة كلها، فضلاً عن أن هناك تحديات وأن هناك حوافز تفرض على كل من القاهرة والرياض تجاوز أى خلاف أو تباين فى الرؤى والإدراكات لبعض القضايا، والجدية فى الإسراع بإنجاز مثل هذه الشراكة. فالسعودية تواجه الآن أزمة خطيرة مع الحليف الأمريكى بعد إصدار الكونجرس قانون «جاستا» يعطى لأهالى ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 الحق فى ملاحقة «أى عناصر فى الحكومة السعودية عن أى دور قد تكون قد لعبته فى تلك الهجمات» أمام المحاكم الأمريكية ما قد يجبر الرياض على دفع مليارات الدولارات كتعويضات، فى وقت تواجه فيه المملكة عجزاً غير مسبوق فى الموازنة المالية. 

هذا القانون يعد نقطة تحول فى علاقات التحالف التاريخية بين الرياض وواشنطن، تزداد خطورته فى ظل مراجعات سابقة أجرتها إدارة الرئيس باراك أوباما فى التزاماتها نحو السعودية، وبالذات الرفض الأمريكى للمطالب السعودية والخليجية بتشكيل تحالف عسكرى ضد إيران. رفض الرئيس الأمريكى هذه الدعوة واعتبر أن إيران ليست مصدراً لتهديد السعودية ودول الخليج وأن مصدر التهديد الحقيقى لهذه الدول كامن فى داخلها، ودعا إلى سياسة وفاق خليجية- إيرانية أو على الأقل علاقات سلام بارد بين الرياض وطهران. كما تزداد خطورته فى ظل توجهات لا تقل خطورة للمرشحة الأمريكية الأوفر حظاً بالفوز بالرئاسة الأمريكية هيلارى كلينتون نحو السعودية حسب ما كشفته وثائق حديثة لموقع «ويكليكس» اتهمت فيها هيلارى السعودية وقطر بتمويل تنظيم «داعش» ودعم الإرهاب. هذا الموقف مؤشر لمزيد من التطورات السلبية فى العلاقات الأمريكية السعودية. 

الحليف الأمريكى بات مشكوكاً فى نواياه، أما الحليف التركى فإنه أضحى عاجزاً عن مقاومة إغراء التحالف أو على الأقل التنسيق مع كل من روسيا وإيران خصوصاً بعد الزيارة الأخيرة التى قام بها الرئيس الروسى لأنقرة والتوقيع على صفقات اقتصادية وتجارية هائلة وغير مسبوقة، فى الوقت الذى تبرز فيه أولويات التنسيق التركى مع روسيا وإيران فى سوريا لمواجهة «الخطر الكردي» والحرب ضد «داعش». وهو تطور يؤكد أن تركيا لن تتحالف مع السعودية على حساب مصالحها مع كل من إيران وروسيا. 

الحلفاء بات مشكوكاً فيهم وضغوط الحرب السعودية فى اليمن تتفاقم والأزمة السورية تزداد تعقيداً فى ظل التفوق النسبى فى القوة لتحالف النظام السورى مع روسيا وإيران ضد منظمات المعارضة الموالية للرياض والدوحة، فى ظل ارتباك غير مسبوق فى السياسة الأمريكية نحو هذه الأزمة. 

وسط هذا كله تبدو الشراكة المصرية مع السعودية بمثابة طوق نجاة ليس فقط للمملكة بل للنظام العربى شرط أن تؤسس على تفاهم وقواعد راسخة وتوافق على أولويات مصادر التهديد وعلى حلول للأزمات العربية خاصة الأزمة فى سوريا والأزمة فى اليمن بما يحفظ وحدة وسيادة سوريا واليمن ويقضى على كل قوى الإرهاب ومنظماته أياً كانت راياتها وأياً كانت شعاراتها وتصنيفاتها.