زهير فهد الحارثي

بعد ساعات من قراءة هذا المقال يكون العالم قد عرف نتيجة الانتخابات الأميركية وبالتالي هوية الرئيس الجديد للولايات المتحدة، وهو حدث غير عادي إذا ما علمنا موقعية هذا المنصب وتأثيره على القضايا الدولية. يبدو ان تقاعس أوباما جعل لهذه الانتخابات أهمية قصوى كونه آثر عدم التدخل فيما يحدث في العالم كما جرت عليه العادة لدولة عظمى ظلت تتسيد المشهد برمته منذ سقوط الاتحاد السوفيتي.

فداحة الخلل في السياسة الخارجية دفعت خبراء ومختصين من الحزبين قبل أسابيع كما أشارت بعض وسائل الإعلام الأميركية لتشكيل لجنة مشتركة من أجل إعادة صياغة أسس السياسة الخارجية الأميركية. تزامن ذلك مع صدور تقرير مهم عن مركز التقدم الأميركي كان مثار حديث واسع بعنوان "الاستفادة من نفوذ الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط - خطة لتعزيز الشراكات الإقليمية" جاء فيه ان لواشنطن مصالح في المنطقة لا سيما بعد ظهور داعش وكارثة اللاجئين التي وصلت لأوروبا، وشدد على البيت الأبيض بأن يتخلى عن أسلوب إدارة الأزمة بالانتقال لمفهوم القيادة الفاعلة ما يعني الانخراط في المنطقة عسكريا ودبلوماسيا واقتصاديا. على أي حال ما يهمنا من الانتخابات الأميركية هو كيفية تعاطي الرئيس القادم مع قضايا منطقتنا، ويجدر بنا في الوقت ذاته أن نعترف أولا أن أميركا لم تعد تلك التي نعرفها ولن تعود كما كنا نخبرها وهي تحولات شعر بها الجميع من الطرفين وأصبحت متداولة على كافة الأصعدة، ولعل قانون جاستا يأتي كأحد الأمثلة وليست بالطبع الأخيرة الشاهدة على هذا التدهور.

الخليجيون اليوم - وفي مقدمتهم السعودية - لا يبحثون عن أعذار وتفسيرات من الرئيس الجديد عن أخطاء سابقة أو راهنة بقدر ما يهمهم استقرار وأمن دولهم، وهذا بطبيعة الحال يصب في خدمة المصالح الأميركية..

لم يعد سرا وجود تباين في ملفات عدة ما بين الرياض وواشنطن على سبيل المثال لاختلاف الرؤية وعدم اتفاق على ترتيب الأولويات، ومع ذلك أصبح من غير المقبول ان تفرط الدولتان في علاقة تجاوزت الثمانية عقود لا سيما وقد نجحتا في الماضي في تجاوز فترات من التوتر. ومع ذلك ظلت السعودية برغم كل هذه التحولات المتسارعة والمستغربة تملك قرارها السيادي، وتعلن عن مواقفها السياسية صراحة وتبدي امتعاضها بكل قوة، بل ومارست استقلاليتها بشكل معلن، ولعل عاصفة الحزم مثال حي على ذلك.

الحقيقة هناك ضرورة في أن تكون الدبلوماسية السعودية حاضرة وفاعلة كون لديها من المقومات ما يجعلها تمثل قلقا حقيقيا لإسرائيل وجماعة ايباك لصوتها العقلاني، ولذا الأوساط الليكودية داخل الولايات المتحدة تسعى بكل الوسائل لتحجيم دورها وتشويهه عبر طريق حملات إعلامية رخيصة تتهمها بتمويل الإرهاب.

المثير للتأمل ان السعودية من جانبها صارت لا تتأثر بهذه الاسطوانات المشروخة كونها اعتادت عليها، واتجهت بكل عزم لملء الفراغ الذي تحاول قوى إقليمية استغلاله لفرض أجندتها.

ثمة رسائل سياسية يجب ان تصل للإدارة الجديدة أهمها تتمثل في أن تتحمل مسؤوليتها في إقرار السلام. الخليجيون يرددون دائما أن الإدارات الأميركية السابقة لم تقم بدورها كما ينبغي ولم تفعل شيئا يذكر إزاء النزاع العربي الإسرائيلي رغم وعودها، ولم تلعب دوراً محايدا، بل كان منحازا لإسرائيل، ويبدو أنه قد آن الأوان لكي تدفع الإدارة الجديدة باتجاه دعم المبادرة العربية وإذابة جليد المفاوضات. بقاء الملف بهذا الوضع يفتح الباب على مصراعيه للحروب والكراهية والتطرف.

تتطلع شعوب الخليج أن يصدر التزام واضح وعملي من قبل الإدارة الأميركية الجديدة بأنه لا يوجد لدى إيران برنامج نووي يهدد دول الجوار. لقد قبل الخليجيون بالاتفاق طالما أنه سيبعد شبح الحرب في المنطقة ولكن ان يتم الاتفاق بين واشنطن وطهران دون التزام الأخيرة بتنفيذ بنوده فإن هذا أمر مخيف ومقلق للجميع، ولذلك هم يطالبون واشنطن تطبيق العقوبات المنصوص عليها في الاتفاقية على الفور في حال انتهاك طهران لأي من بنودها. انفتاح أميركا على إيران بالتأكيد هو أمر مزعج للخليجيين الذين يؤكدون أن لدى إيران مشروعا توسعيا، وأن ما حصدته من الغرب سيجعلها تُمعن في نهجها الذي يتنافى مع مبادئ القانون الدولي والمواثيق الدولية، ولذا ما تريده دول الخليج حقيقة هو أن يستشعر الرئيس الجديد ما تفعله إيران في المنطقة ليشرع بشكل جاد لإيقاف تدخلاتها في شؤون دول الجوار كونها تتعارض مع مبادئ القانون الدولي.

الخليجيون اليوم -وفي مقدمتهم السعودية- لا يبحثون عن أعذار وتفسيرات من الرئيس الجديد عن أخطاء سابقة أو راهنة بقدر ما يهمهم استقرار وأمن دولهم، وهذا بطبيعة الحال يصب في خدمة المصالح الأميركية. هذا يعني ضرورة إعادة نظر البيت الأبيض في تعاطيه مع ملفات المنطقة الشائكة من منظور شمولي وليس ذا توجه اختزالي في جزئيات بعينها. المسألة لم تعد أمنيات ورغبات ومجاملات بل ضرورات واستحقاقات تمس الأمن والاستقرار والبقاء.

صفوة القول: تتطلع دول الخليج التي تواجه تحديات ومخاطر في معرفة توجهات الرئيس الجديد ورؤيته إزاء المنطقة بعيدا عن مناخات الانتخابات الشعاراتية التي انتهت.. ويبدو أن اللحظة قد حانت لتصويب العلاقة لمصلحة الطرفين.