قبل مغادرتها الخليج.. جولة على متن حاملة الطائرات «أيزنهاور» 

  نجلاء حبريري

قبل أيام من انطلاق طاقم حاملة الطائرات «دوايت أيزنهاور» على طريق العودة إلى قاعدة نورفولك بولاية فرجينيا بعد أن أمضوا 6 أشهر في الخليج العربي لتأمين النشاط البحري وقيادة وتنسيق عمليات التحالف الدولي الجوية ضد «داعش» في العراق وسوريا، أتيح لـ«الشرق الأوسط» فرصة نادرة لاستكشاف جوانب الحياة على الحاملة الضخمة ومشاهدة المراحل التقنية لإقلاع وهبوط الطائرات المقاتلة بعد تنفيذها مهمات استهداف عناصر التنظيم الإرهابي، عن قرب. 

وشنّت المجموعة الضاربة العاشرة نحو 25 في المائة من إجمالي الغارات الجوية على «داعش».
أكّد مسؤول رفيع في المجموعة الضاربة العاشرة على حاملة الطائرات «دوايت أيزنهاور» التابعة لـ«تاسك فورس50» التي عوّضتها السفينة الحربية وحاملة طائرات الهليكوبتر البريطانية «أوشن» أول من أمس، أنه أشرف على أكثر من ألف و600 طلعة جوية ضد «داعش» منذ يونيو (حزيران) الماضي. وحدّثت المتحدثة باسم المجموعة الضاربة العاشرة على حاملة الطائرات «دوايت أيزنهاور»، اللفتنانت كريستينا فونتنوت، هذا الرقم في رسالة لـ«الشرق الأوسط»، مؤكّدة أنه بلغ ألفا و790 طلعة جوية خلال الفترة الممتدة بين 28 يونيو و24 نوفمبر (تشرين الثاني). وأشار المسؤول الرفيع إلى أن الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي حريصة على الحفاظ على أكبر قدر من الدقة في شن الغارات، وأنها على اتصال مستمر مع القوات على الأرض.
أما قائد الحاملة، الكابتن بول سبيديرو، فأوضح أن المقاتلات التي أقلعت من «أيزنهاور» منذ يونيو الماضي ألقت ما يصل إلى ألف ومائة قنبلة على «داعش»، بعد أن استهدفت التنظيم الإرهابي بالعراق وسوريا من شرق البحر الأبيض المتوسط قبل وصولها إلى الخليج.

القدرات القتالية لـ«المدينة العائمة»
قابلت «الشرق الأوسط» عشرات البحارة خلال 24 ساعة قضتها على «أيزنهاور»، ورغم اختلاف أدوارهم ومرتبتهم وأسباب التحاقهم بالبحرية الأميركية، فإنهم اتفقوا على شيئين؛ وصف السفينة التي استضافتهم لمدة ستة أشهر بـ«مدينتنا العائمة»، والتزامهم المطلق بحماية مصالح الولايات المتحدة وتنفيذ مهامهم على أكمل وجه.
تجمع السفينة أكثر من 5 آلاف شخص، و3 آلاف يسكنونها طوال فترة مهمتهم، والباقي ينتمون إلى طاقم الطيران أو مستقرون على السفن الحربية والمدمرات التابعة لها. والغالبية العظمى من «سكان» الحاملة هم أفراد في البحرية، تتراوح مراتبهم بين بحار حديث العهد في المؤسسة العسكرية، إلى ملازم أو لفتنانت، إلى كومودور وصولا إلى قائد السفينة والأميرال المشرف على العمليات. كما يوجد عدد محدود من المدنيين، يقومون بمهام مختلفة كأن يعطون دروسا رياضية أو دعما دراسيا لمن يرغبون في ذلك.
تقود حاملة الطائرات الأميركية ما يصل إلى 78 طائرة مقاتلة وهليكوبتر، 66 منها تحملها على متنها، أما الباقي فموزع على 3 سفن حربية، و4 مدمرات تشرف عليها في الخليج. وأوضح الكوماندر جيريمي ريفاس، لـ«الشرق الأوسط» من أعلى غرفة العمليات الجوية على الحاملة، أنه يشرف على متوسط 9 دورات إقلاع وهبوط طائرات مقاتلة وأخرى ترافقها يوميا. كما تتميز العمليات الجوية التي يشرف عليها طاقم الحاملة بقدرتها على القيام بطلعات ليلية، وتقنية التزود بالوقود خلال الطيران. وتشمل الطائرات التي تحملها «أيزنهاور»: «إف - 18 سوبر هورنيت»، و«إف - 18 هورنيت»، وهما مقاتلتان تقودان الغارات الجوية على «داعش» بدقة عالية، وهي قادرة على تغيير سرعتها من 170 ميلا في الساعة إلى 0 في أقل من ثانيتين خلال الإقلاع والهبوط. كما تشمل الـ«إي - 18ج غراولر» التي تهتم بالتشويش على موجات الرادار، بالإضافة إلى نوعي هليكوبتر من طراز «إم إتش 60 سيهوك سييرا وروميو» اللتين تركزان على مراقبة النشاط البحري، وتحديد التهديدات المحتملة من الغواصات والقوارب والسفن الصغيرة.
وأوضح ريفاس، أن قسم العمليات الجوية هو الأكبر حجما على «أيزنهاور»، ويعمل فيه «جيش صغير» من 660 شخصا يسهرون على تنفيذ الأوامر، ويدعمون الطيارين على مدار الساعة ويشرفون على تقنيات الإقلاع والهبوط.
بدوره، أشار القائد جيفري أندرسون، المشرف على «جناح الطيران الثالث» على الحاملة، إلى أن طاقم الطيران يشمل مجموع 152 طيارا، بينهم 18 امرأة؛ 64 منهم طيارون مقاتلون لطائرات من طراز «إف 18»، والآخرون طيارو هليكوبتر وطائرات أخرى. كما أكّد أن الطلعة الجوية الواحدة تكلّف بين 3 آلاف دولار للساعة بالنسبة للهليكوبتر، و9 آلاف دولار للساعة بالنسبة لطائرة مقاتلة، لافتا إلى أن أطول طلعة جوية يتم التخطيط لها تصل إلى 7 ساعات، ويتم تزويد الطائرات بالوقود خلال هذه المدة من 3 إلى 4 مرات.
من جهته، قال طيار المقاتلة «إف 18»، الضابط جوليوس براتون، الملقب بـ«ويسكرز»، إن الطلعة الجوية تكون في العادة مكونة من «طائرتين أو أربع سويا، وتكون محملة بصواريخ وأسلحة نوعية ودقيقة». وتضاف مجموعات من طائرتين أو أربع طائرات حسب حجم المهمة أو تطورها. وحول قدرته على مناقشة الأوامر التي يتلقاها في حال راودته شكوك بوجود مدنيين أو تغير ظروف المهمة، قال الطيار براتون: «لو شعرت أن الأهداف انتقلت إلى تجمعات مدنية، أتواصل مباشرة مع القيادة لإلغاء العملية». وأشار الطيار براتون إلى أنه حقق رقما قياسيا خاصا به بالطيران لمدة 9 ساعات متواصلة خلال مهمة لقصف «داعش»، دون تحديد ما إذا كان ذلك في سوريا أو العراق. وبينما لا يقوم براتون بمهمات إلا 3 مرات في الأسبوع، إلا أن التحضير لطلعة جوية واحدة يستمر لساعات.

إعلاميو السفينة.. حلقة وصل مع الخارج
لا يوجد أمام البحَارة الأميركيين سبل ترفيه كثيرة على متن السفينة التي يقضون على متنها 6 أشهر علی الأقل، مما يشكل تحديا بالغا أمام القسم الإعلامي الذي يحمل على عاتقه مهمة إحاطة الآلاف بأبرز التطورات العالمية من جهة، ونقل تفاصيل الحياة على السفينة إلى الأهالي في الولايات المتحدة من جهة أخرى. ويهتم القسم الإعلامي الخاص بـ«أيزنهاور» بإصدار صحيفة يومية ترافق البحَارة خلال وجباتهم الثلاث وأوقات الاستراحة، وإنتاج حلقات مسلسل «آيك أون» يبثّ كل أسبوعين على قناة السفينة وحسابها الخاص على موقع «يوتيوب». إلى ذلك، يشرف القسم الإعلامي على التقاط صور البحَارة وتوثيق أبرز الأحداث المتعلقة بالسفينة، سواء بالداخل أو الخارج، والحفاظ على أرشيف السفينة حتى عودتها إلى القاعدة العسكرية المركزية بنورفولك.
وأوضحت اللفتنانت كريستينا فونتنوت، أنه يتم طبع نحو 520 نسخة يومية من الصحيفة، وأن المطبعة موجودة على متن السفينة. وتوزّع الجريدة على جميع الأقسام، كما تتاح في صالات الغذاء الأربعة، التي تسمى «وارد روم»، كما في مقهى «ستاربكس» الصغير. والصحيفة التي تتشكل عادة من 5 صفحات تشمل قصة صحافية تعالج الحياة على السفينة، على غرار «جولة في محل الخشب»، ويكتبها عادة أحد محرري الصحيفة. أما الصفحة الثانية فتخصص لـ«أخبار البحرية»، وينقل أبرز التطورات العسكرية والأمنية في الخليج أو في مناطق انتشار البحرية الأميركية الأخرى عبر العالم. وكانت أبرز قصة في عدد الثلاثاء الماضي توجيها من قيادة البحرية بـ«الاستعداد» بعد تجاوزات الحوثيين.
وتخصص الصفحة الثالثة للأخبار الأميركية والدولية. وقال أحد المحررين، الذي فضل عدم ذكر اسمه في رد على سؤال «الشرق الأوسط» حول تغطية القسم للانتخابات الأميركية، إن الصحيفة لم تهتم بتفاصيل الحملات الانتخابية وتصريحات المرشحين إلى حد كبير، حفاظا على الحياد، لافتا إلى أن ما يهم البحَارة هو أداء مهامهم على أكمل وجه وحماية مصالح الولايات المتّحدة، بغض النظر عن هوية الرئيس الذي يختاره الأميركيون.
تُغطى أخبار «الرياضة والترفيه» في الصفحة الرابعة، لتشمل أبرز التطورات الرياضية ومنوعات مختارة وكلمات متقاطعة. أما الصفحة الأخيرة، فتكرس لـ«بحار اليوم»، وصورته مرفوقة مع القائد المشرف على قسمه. وأوضح محرر الصفحة الأخيرة أنه يتلقى، بشكل منتظم، طلبات أمهات بنشر صورة ابنها أو ابنتها في الصفحة الأخيرة: «ما يشجع البحَارة الذين يرفضون التقاط صورهم على التوجه إلى القسم الإعلامي».
ويتمثل جانب آخر من القسم الإعلامي في تصميم مختلف المنشورات الترفيهية والإعلامية وطباعتها وتوزيعها، لإخبار البحَارة بمختلف الأنشطة التي ينظمها مختلف الأقسام عبر السفينة. وكانت أبرز المنشورات المعلقة في السفينة عند زيارة «الشرق الأوسط» لها الثلاثاء والأربعاء الماضي تتعلق باحتفالات «عيد الشكر الأميركي»، الذي جهز له طاقم السفينة بإحضار نحو 400 ديك رومي، وبرسوم معلقة في عدد من الأقسام.
عند سؤاله عن أكثر التخصصات إثارة ومتعة على متن «أيزنهاور»، قال الطيار براتون، إن «معظم الأشخاص هنا قد يقولون: إن عملي هو الأكثر إثارة، ورغم أنني أحب عملي للغاية وأعشق الطيران، فإنني أعتقد أن التخصص الأكثر متعة على متن هذه السفينة هو الإعلام. إذ إنه يحق لهم (البحَارة الإعلاميون) الدخول إلى جميع الأقسام، وتوثيق عمليات لا يسمح لمعظم الموجودين على السفينة حضورها».
ويستفيد المصورون بشكل خاص من هذا الامتياز، أمثال البحار بوبي بولدوك الذي يرافق الوفود السياسية والدبلوماسية والإعلامية عند زيارتها للسفينة، ويشهد عمليات حصرية للغاية مثل إقلاع الطائرات المقاتلة من منصة الإطلاق على السفينة، التي لا يشهدها إلا نحو 10 في المائة من إجمالي سكان «أيزنهاور».
إلى ذلك، يتمتع أعضاء قسم الإعلام والمشرفون عليهم بميزة استخدام جهاز الكومبيوتر بشكل شبه يومي، ويعد ذلك امتيازا محدودا للغاية بالنسبة لبقية البحَارة الذين يستعملون عددا من الأجهزة العامة ويتناوب على استخدامها العشرات.

«مستشفى» الحاملة.. 120 مريضًا يوميًا
تتمتع «أيزنهاور» بمركز طبي متقدم، شبّهه اللفتنانت كوماندر كريس شولتز، المسؤول عن القسم الطبي، بـ«مستشفى صغير يعالج طاقم السفينة بشكل يومي، ويسعف آلاف الحالات المرضية التي تتفاوت درجاتها من زكام عادي إلى إصابات بالغة الخطورة». بدوره أوضح ديفيد كفالاريو، المشرف الثاني على القسم الطبي: «يمكن اعتبار هذا القسم مركز طوارئ متقدما، نعالج هنا معظم الحالات الطارئة في السفينة، باستثناء الأكثر خطورة، وتلك التي تتطلب عناية خاصة بالمريض والتي لا نستطيع توفيرها على متن السفينة لظروف عدة، منها حركة السفينة المستمرة وقلة الأسرة وبعض الأجهزة المتخصصة المتقدمة».
ووصف كفالاريو مستوى العناية بالمركز بـ«المتوسط»، أما في الحالات الخطرة، فقال، إنه يتم نقل المرضى نحو المستشفيات المتخصصة، سواء كانت بالبحرين أو ألمانيا أو الولايات المتحدة.
ويمكن تجزيء دور المركز إلى 4 أقسام، هي معالجة المرضى، وإدارة الصيدلية، وتفقد معايير الصحة والسلامة في مختلف أقسام السفينة بانتظام، والتأكد من خلو السفينة من أي إشعاعات نووية قد تنبع من المحركين النوويين اللذين يولدان الطاقة.
يتكون المركز من صالة انتظار تشخّص فيها حالة المرضى مبدئيا، ليودعوا إلى الطبيب المختص. كما يضم المركز غرفة تشخيص متقدم، وأخرى لأشعة «إكس راي» يمر عبرها نحو 300 بحار شهريا، بالإضافة إلى غرفة عمليات يشرف عليها كبير المقيمين في برنامج البحرية الطبي. وأكد كفالاريو أن عدد العمليات الجراحية التي قام بها المركز وتلك المبرمجة ستصل إلى 180 على الأقل بحلول نهاية السنة. أما إجمالي عدد المرضى الذين عالجهم المركز فيصل إلى نحو 120 يوميا، مقدرا أنه قد يبلغ 32 ألفا عند نهاية السنة.
إلى ذلك، يشمل المركز مختبرا لفحص الدم، وصيدلية توفر نحو 3 آلاف دواء شهريا، ويشرف عليها بحارة متدربون في المجال. أما المهمة الأخيرة للمركز، فتتمثل في مراقبة الإشعاعات النووية المُحتملة عبر لَبْس جهاز «إل تي دي» صغير مخصص لهذا الغرض، وتفقد جميع أقسام السفينة، والبحارة المهتمين بصيانة وتشغيل المحركات النووية بشكل خاص. وأوضح كفالاريو أن السفينة تضم أكثر المحركات النووية أمنا في العالم.
ردا على سؤال حول حادث مارس (آذار) الماضي الذي شهد إصابة 8 بحارة بعد أن حطت مقاتلة بعنف، وانقطع أحد الحبال الأربعة التي يفترض أن تساعد الطائرة على التوقف الكامل، قال كفالاريو إن إصاباتهم كانت بالغة للغاية، ونقلوا على متن طائرة إلى مركز طبي خارجي.

مركز الشؤون الدينية
لا يجوز أن نصف «أيزنهاور» بـ«المدينة العائمة» دون أن نتطرّق إلى «الخدمات الروحية والدينية»، كما وصفها القائد تيد ويليامز، مسؤول الشؤون الدينية على الحاملة. وأوضح ويليامز أن البحرية الأميركية تكفل للجميع حرية الدين والعبادة، وأن الموجودين على السفينة بمختلف انتماءاتهم الدينية يستطيعون أداء شعائرهم إن رغبوا في ذلك. يوجد بين الممارسين لشعائرهم بانتظام 6 مسلمين على «أيزنهاور»، و4 يهود و15 مسيحيا بروتستانتيا و80 كاثوليكيا. وقال ويليامز إن دور قسم الشؤون الدينية على الحاملة لا يقتصر فقط على توفير الشروط المناسبة لأداء المشاعر، وإنما يلعب دور الدعم الروحي والنفسي كذلك. لافتا: «بابنا مفتوح دوما أمام أي شخص يودّ الحديث عن مشكلة شخصية أو عائلية أو غيرها». وفيما لا يوجد إمام ولا حاخام على متن السفينة، إلا أن هناك بين المسلمين الستة شخصا يمثلهم وينظم الأعياد والمناسبات الدينية المهمة مثل إفطار شهر رمضان المبارك. وأوضح ويليامز أن هذا الشخص حصل على موافقة أئمة في الولايات المتحدة للقيام بهذا الدور. والأمر نفسه ينطبق على اليهود الموجودين على متن الحاملة.

«يو إس إس دوايت أيزنهاور»
* سميت نسبة للرئيس الأميركي الـ34 دوايت أيزنهاور
* كلفت: 5.2 مليار دولار
* أطلقت في 11 أكتوبر 1975
* الطول: 332.8 متر
* نظام الدفع: محركان نوويان و4 عنفات بخارية
* السرعة: +30 عقدة بحرية
* الوزن: 100.020 طنا
* مدى العمليات: 1000 ميل