سمير عطا الله
حاول جون كيندي إزاحة جاره الشيوعي فيدل إليخاندرو كاسترو من الحكم بهجوم فاشل على كوبا. وبعد أشهر، حاول الصحافي الفرنسي جان دانيال التوسط بين الرجلين. وذهب أولا إلى واشنطن، حيث قابل الرئيس الأميركي، ثم ذهب إلى هافانا. وفيما هو يتحدث إلى الرئيس الكوبي، دخل عليهما مساعد كاسترو، وأبلغ زعيمه أن الرئيس الأميركي قد اغتيل.
تغير الرؤساء الأميركيون الواحد بعد الآخر بموجب قانون الديمقراطية، وظل كاسترو حاكما أوحد، بموجب قانون الجاذبية. سحر الجماهير مقاتلاً في جبال كوبا، ثم خطيبًا في مدنها. ووضع العالم على حافة العدم عندما نصب صواريخ سوفياتية نووية قبالة الساحل الأميركي، كأن لم يكفِ واشنطن أن يكون أول رئيس شيوعي في نصف الكرة الغربي.
كان العصر رومانسيًا، وكان كاسترو أحد رموزه. خطيب وسيم وتعابير محركة للنفوس، يساهم في صناعة أسطورته، ساحر شبان العالم وصباياه، إرنستو تشي غيفارا. وساهم في صناعة الأسطورة أيضا إرنست همنغواي الذي انتحر بعد قليل من وصول كاسترو إلى الحكم، لكن بقي إلى جانبه غابرييل غارسيا ماركيز، صديقه ورفيقه، وبدوره ساحر الناطقين بالإسبانية.
رأى كاسترو في نفسه لينين آخر. قلد الشيوعي الأول في تحريك الجماهير وفي إلغاء أعدائه، ومثله حاول أن ينشر الشيوعية في أميركا اللاتينية، لكن اغتيال «سي آي إيه». لرفيقه غيفارا، قضى على حلمه. وتراجع إلى داخل كوبا يحصن نظامًا مبشرًا بالمساواة وقائمًا على القمع والإعدامات وإرسال الرفاق إلى السجون المؤبدة. نجح في أشياء، أهمها الحفاظ على النظام، وأخفق في ما أخفق فيه الشيوعيون الآخرون، الاقتصاد والنمو ودخول العصر.
لكن كوبا ركّزت على شيء واحد هو الطب، وحققت فيه أعلى المستويات. ولم يكن كاسترو يرسل إلى أصدقائه السيجار الفاخر الممهور بتوقيع «الرئيس» فحسب، بل أيضا أمهر الأطباء، كما حدث مع صدام حسين. ورأى فيه الكثير من العرب حليفًا في قضاياهم ومناكفًا لأميركا معًا. غير أنهم جميعًا، من جمال عبد الناصر إلى ياسر عرفات، آثروا أن يترك الشيوعية في هافانا. وكان عبد الناصر وصدام حسين أكثر من نكّل بالشيوعيين المحليين، فيما أدار الاتحاد السوفياتي وسائر الرفاق أنظارهم عما يحدث. وجرت محاولة في اليمن الجنوبي لإقامة كوبا أخرى في قلب شبه الجزيرة، لكن الطريق كان قصيرًا ودمويًا.
غير أن شيوعيّي الأنظمة استطاعوا إقامة علاقات آمنة مع صاحب النموذج الكوبي. وكان أبرز هؤلاء في المراحل الأولى الراحل لطفي الخولي، رئيس تحرير «الطليعة» التي كانت تصدر عن «الأهرام». وفي تلك الأيام، أطلق عبد الناصر يد محمد حسنين هيكل في إعطاء الانطباع بأن الباب مفتوح أمام جميع التيارات الفكرية، من اليمين إلى اليسار مرورًا بالوسط، فَضم إلى الدار، الخولي ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم.
سوف تكون كوبا بعد كاسترو، في اعتقادي، مستشفى الأميركيين غير الميسورين. وفسحتهم السياحية. ومشاريعهم الاستثمارية. وتسجل مرحلته في باب التجارب والعناوين الكبرى، مثل الصواريخ التي أعيدت إلى أغمادها، وتعانق الجميع. النهاية. The End.
التعليقات