فريد لمريني

يتطلب تشكل فاعل اجتماعي حامل لصفات وملامح مفهوم المثقف، كما تحدد في مرجعيته النظرية التأسيسية، توفر الشروط العامة الآتية :

أولا – وجود مجتمع غير خاضع بأي شكل من الأشكال لوصاية إيديولوجية أو ثقافية، سواء في غطائها الديني أو الدنيوي.

ثانيا – وجود فضاء عمومي مفتوح، تمتلك فيه الدولة والمجتمع نفس الحقوق على قدم المساواة.ويفترض أن يتم تدبير هذا الفضاء المشترك بالقواعد والمساطر الديمقراطية.

ثالثا – استقلالية الحقلين: السياسي والمدني بمعنى فرضية وجود أو عدم وجود كيان اجتماعي خاص يسمى في العادة بالمجتمع المدني

رابعا – تمتع الكائن الاجتماعي بحقوقه في الحرية الشخصية والاستقلالية الفكرية .

إن عدم وجود وصاية إيديولوجية أو ثقافية أو دينية على المجتمع عامل جوهري في ميلاد المثقف بالمعنى الدقيق للكلمة كما أن استقلال الحقلين السياسي والمدني عن بعضهما البعض، شرط لا غبار عليه في هذا السياق.والمثقف يحتاج إلى فضاء عمومي منفتح ليمارس فيه كامل حقوقه المتمثلة في حرية الضمير والوعي والاستقلال الفكري.

يرتبط المثقف بقضايا مجتمعه ارتباطا حميميا، بحيث يحولها إلى شأن شخصي كما سبق لجان بول سارتر أن حلل ذلك في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي،إبان الثورة العارمة للطلاب في فرنسا. غير أن المثقف ليس نبيا دنيويا يبلغ رسالة مقدسة جاهزة تم تكليفه بتبليغها. وليس داعية لمذهب أو مبشرا بخلاص قادم في يوم ما. انه صاحب" شهادة على عصره" كما يرى عبد الكبير الخطيبي، غير أنها شهادة من نوع خاص.فهي مخاطرة فكرية صعبة يمارسها ضمير المثقف، كما أنها لا يمكن أن تكون في جميع الأحوال شهادة تحت الطلب لأي جهة كانت.

إن المثقف بهذا المعنى، وكما حلله ميشيل فوكو، هو ذلك الكائن الاجتماعي المتميز، الذي يلعب أدوارا خطيرة في ذلك التنافر الاجتماعي الدائم حول ما يسمى" سياسة الحقيقة". ولا يتعلق الأمر في هذا السياق الدقيق،بالحقيقة التي نستكشفها من خلال الزوج المفاهيمي " علم- إيديولوجيا"، بل من خلال الزوج " حقيقة-سلطة" ، بمعنى أن المثقف هو ذلك الكائن الاجتماعي المهووس بالسؤال التالي: كيف ولماذا تحولت حقيقة ما إلى سلطة ؟1.وفي هذا السياق بالذات تكون الشهادة وصفاء الضمير الذين أشار إليهما الخطيبي،تجربة مفصلية في حياة المثقف وسيرته الفكرية بالكامل.

لا يمتلك المثقف اليوم سلطة التشريع بل سلطة التأويل كما بين ذلك بعمق الفيلسوف البولوني زيكمونت بومان، غير أن هذا الأخير لاحظ أن المثقفين في تقديرهم النرجسي المبالغ فيه لسلطتهم وأدوارهم، يمكن أن يمارسوا بكيفية سلبية وغير مقبولة، تلك الوظائف النبيلة التي يفترض قيامهم بها. وقد يتحول المثقفون في هذه الحال إلى أولائك الذين وصفهم بيير بورديو بمحتكري الحق في الكلام، أو محتكري "الكلام المشروع "داخل المجتمع.، دون الانتباه إلى حقوق الآخرين، بمعنى الى حقوق الفئات الاجتماعية الدنيا أو الموجودة خارج مربع السلطة. في حين أن المثقف مطالب بأن يستمع وينصت لنبضات قلب المجتمع، لا أن يحتكر الكلام. فرغم العلاقة القوية بين المثقف ومجتمعه،لا يحق للمثقف أن يكون في جميع الأحوال ناطقا حصريا باسمه.

المثقف في المجتمع التقليدي

ما مدى تحقق هذه الشروط الموضوعية في مجتمع تقليدي، خاصة حين يكون في طور التحديث ؟ وما إمكانية ميلاد فاعل اجتماعي خاص جدا يسمى بالمثقف، في قلب هذا النوع من المجتمعات ؟

إذا اعتبرنا أن الوسط الطبيعي لميلاد النخبة الثقافية، وبالتالي لميلاد المثقف بالمعنى الحديث لهذا المفهوم، هو المجتمع أو بعبارة أخرى الفضاء المدني ، أمكن لنا أن نقترب من أهم الصعوبات السوسيولوجية التي تعترض في المجتمع التقليدي ميلاد ونضج هذا الفاعل الاجتماعي المتميز الذي سمي بالمثقف .

بصفة أولية، يمكن اختزال هذه الصعوبات في ثلاث ظواهر جوهرية:

الظاهرة الأولى – خضوع المجتمع التقليدي للوصاية الإيديولوجية والثقافية للدولة، كمالكة شرعية لهذا الامتياز التاريخي.

يتعلق الأمر في هذا السياق بشرعية نضالية مكتسبة لنخبة سياسية أو عسكرية حاكمة،مستندة على ايديلوجيا سياسية تنسب لنفسها الامتياز الحصري في طرد الاستعمار وتحقيق الاستقلال.

الظاهرة الثانية – هي السلطة غير المحدودة للدولة التقليدية وتدخلها القوي في الحقل الاجتماعي ، باعتبارها الفاعل الاستراتيجي الأول أو الحصري في بعض الحالات، في صنع وترتيب قواعد الارتقاء الاجتماعي للنخب المختلفة،وبالتالي التخطيط لممرات ومسارات الصعود الاجتماعي إلى القمة . ولا يتمتع المجتمع في هذه الحالة بأي استقلالية واضحة المعالم عن الدولة.

الظاهرة الثالثة – هي أن المثقف في المجتمع التقليدي يوجد في وضع إيديولوجي هش محدود الوظائف وضعيف التأثير، في حقل اجتماعي يهيمن عليه السياسي من جهة ورجل الدين من جهة أخرى.

إذا كان التوجس الابستمولوجي مطلوبا في حالة البحث عن مواقع ووظائف النخب داخل المجتمع التقليدي، فان هذا الحذر مضاعف في حالة البحث عن المثقفين بالذات ، وذلك نظرا لصعوبة رصدهم في مواقع سوسيولوجية ثابتة وواضحة المعالم .

يتم الصعود الاجتماعي في هذه الحالة بناء على المعايير التقليدية القادمة من جهاز الرموز والقيم السائدة : (- علاقات القرابة والنسب – الانتماء العائلي- الانتماء القبلي – الزبونية السياسية والإيديولوجية – المشيخة الدينية والطاعة الشخصية و العقائدية...)

تتسرب هذه المحددات السوسيولوجية في الأنسجة الدنيا والعميقة للتشكيلات الاجتماعية القائمة،وتتحكم هذه الأخيرة إلى حد كبير في منطق توزيع الثروة المادية والرمزية وفي لعبة التنافسات والصراعات الاجتماعية الجارية على رقعة المجتمع .وعلى النقيض من الدولة الحديثة التي لا تتدخل في الحقل الاجتماعي لهذا الغرض، لأنها في الأصل وباعتبارها دولة تدبيرية ، لا تملك هذا الامتياز تتدخل الدولة التقليدية كحارسة للقيم ، في ترتيب طبقات البيت الاجتماعي بصفة قارة ومنتظمة .

حين يعجز المجتمع عن التحكم في قنوات إنتاج مثقفيه لذاته، في غياب حقل اجتماعي خاضع لضوابط وقواعد منطقية ومعايير عقلانية للمنافسة المتكافئة بين الفاعلين الاجتماعيين، تتدخل الدولة بقوة وبصفة علنية في هذه العملية المعقدة. ويتم ذلك في سياقين:

أولا – في سياق مراقبة الحقل الاجتماعي من طرفها بشكل حصري ومنتظم

ثانيا – في سياق تجدد النخب ودورة تغييرها التاريخي العادي، كحاجة موضوعية وضرورية لتجدد الدولة ذاتها، بحيث يصبح هذا الأمر من اختصاصاتها الإستراتيجية.

من زاوية نظر سوسيولوجية، يمكن القول أن المثقف والنخبة الثقافية بصفة عامة، تجد صعوبة كبيرة في أن تكون كائنا اجتماعيا مؤثرا ، وذلك بالنظر إلى أن قاعدتها الاجتماعية الموضوعية ضيقة جدا .

وعلى العكس من ذلك تماما، يكون تأثير رجل الدين أو الفقيه أو شيخ الطريقة قويا ومهابا ونافذا على أوسع نطاق ، لسبب واضح يتجسد في قاعدته السوسيولوجية الواسعة، بالإضافة إلى أنه يستخدم المقدس ويقدم نفسه راعيا له . وبالتالي يمكن القول أنه ليس هناك شروطا اجتماعية متساوية في هذا السياق .

ربما أمكن لنا القول أن مفهوم الفقيه أو الشيخ في مجتمع تقليدي هو المقابل التاريخي الموضوعي لمفهوم المثقف، كما نحتته الثقافة الأوروبية الحديثة. لهذا لن نستغرب إذا أقررنا أن نفوذ الشيخ وسلطته أقوى في هذا النوع من المجتمعات، من سلطة مثقف بالمفهوم العصري للكلمة.

ملامح من شخصية المثقف المغربي

توجد النخبة المغربية أو يوجد المثقف المغربي اليوم في وضع سوسيو-ثقافي غير مريح على الإطلاق. وتبدو علامات عدم الارتياح واضحة على واجهتين :

أولا- في إحساسه بذاته لحظة سؤاله الوجودي عن كينونته الاجتماعية، وهو الإحساس الذي تحوم حوله بصفة عامة، مشاعر عدم الرضا عن شروط ممارسته ،وظروف اضطلاعه بمهامه ووظائفه داخل مجتمعه.

ثانيا- في الهجوم العنيف الذي يستهدفه في الوقت الراهن بشكل خاص في الأوساط الإعلامية والشعبية المغربية، وهو الهجوم الذي لا يتوانى عن حمل صك اتهام قاس وعريض ضده بالاستقالة والتواطؤ والموت، أو على الأقل بالغياب أو الصمت .

إذا اعتبرنا أن هناك ٌ صمتا ٌ ما، فان قياسه السوسيولوجي الموضوعي لا يتم بهذا النوع من الأحكام. والوضع الثقافي الراهن في المغرب بالغ التعقيد، والمثقف في قلبه يوجد في طور التشكل والبحث عن مواقع اجتماعية ممكنة، في صيرورة هذه التحولات الجارية بقوة هذه الأيام.

مما لاشك فيه أن مثل هذه الإحكام صيغت على عجل وانبنت على كثير من التحليل السطحي غير الدقيق ، بل إن بعضها الآخر لا يخلو من تحامل واضح ضد النخبة المثقفة وتحميلها مسؤولية تأخير التغيير الاجتماعي المرتقب .

هل من المشروع أن يحمل المثقف أوزار أزمة مجتمع بكامله ، أو سيره البطيء في سكة التقدم نحو المستقبل ؟ فالمثقف ليس مؤسسة ولا حزبا سياسيا يمتلك خطة أو مشروعا جاهزا لانجاز التغيير، ولا زاوية دينية يحج إليها عدد هائل من الأتباع الباحثين عن بركة الشيخ. لماذا تختزل كل المسؤوليات التي يمكن أن تضطلع بها، في نطاق البحث عن التغيير الاجتماعي، مؤسسات و طبقات وشرائح اجتماعية واسعة في شخصه ؟ وهل يمتلك المثقف موضوعيا هذه السلطة وهذا النفوذ الاعتباري الذي يتهم بهذه الكيفية من التحليل، بعدم استخدامه وتفعيله العملي لمصلحة مجتمعه ؟ هل المثقف داعية ومبشر بدين أو أسطورة بطولية جميلة، أو حارسا إيديولوجيا لشعارات رنانة في التعبئة وشحذ الهمم، حتى تنسب له هذه المسؤولية التاريخية العظمى ؟

لاشك أن الموضوع شائك إلى حد كبير، ولا يقبل مثل هذا النوع من التحليلات العابرة التي تعتبر المثقف إيديولوجي طبقة ، وتعتبر النخبة المثقفة ناطقة امتيازية أو حصرية باسم المصالح الإستراتيجية لمجتمعها .والحال أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق .

تتحدد أوضاع وملامح النخبة المثقفة في المغرب في الوقت الراهن بمجموعة من العوامل الموضوعية .من أهمها :

1- نجاح خطة الدولة في الاستقطاب الإيديولوجي للمثقفين ومنتجي الأفكار، وهي خطة محكمة في التجديد الحذر والمراقب للنخب ، وهيمنتها الحصرية على المجال الثقافي العمومي.

2- ضعف المجتمع المدني وعدم قدرة الحقل التواصلي السائد، على استيعاب الديناميكية الاجتماعية الجارية. فالمثقف بالذات وبالمعنى الحديث للمفهوم ينمو ويعيش، وبالتالي يخاطب المجتمع أو يؤثر ويتأثر به، في داخل هذا الحقل بالذات .والنخبة المثقفة لا تلج وسائط الاتصال ومؤسسات الإعلام العمومي إلا لماما .وهذا يعني أن المثقف لا يمتلك إلى حد كبير وسائل التعبير والتبليغ التي يملكها المثقف في مجتمعات الحداثة.

3- ضعف الحقل السياسي ورتابته الفكرية . وقد كان هذا الحقل في الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية مشتلا إيديولوجيا لإنضاج الأطروحة الفكرية الرصينة والتحليل النظري الاجتهادي لدى الشرائح المثقفة المغربية. كما كان سقوط الشعارات الإيديولوجية القديمة التي كانت في الماضي حافزا قويا على التنظير والكتابة الملتزمة والجريئة وشحذ طاقات المناقشة الفكرية العمومية ، خاصة لدى بعض شرائح الوسط الثقافي اليساري ، عاملا إضافيا أدى في بعض الأحيان إلى لحظة صمت وتأمل فكري لا يعرف أجله، والى حالة استرخاء وجودي صيرته شروط موضوعية وذاتية، أو حتى شخصية وسيكولوجية في بعض الأحيان .

4- العلاقة الضعيفة والهشة بين الجامعة المغربية ، كفضاء طبيعي لنشاط المثقفين ومنتجي الأفكار من جهة ، والمجتمع ( الوسط السوسيو-ثقافي ) من جهة أخرى .أضف إلى ذلك الاختلالات البيداغوجية للتعليم العمومي، إذ لا يستطيع هذا القطاع الحيوي إلى حد الآن وبشكل ملموس ، تكوين مثقف بالمعنى الدقيق للكلمة، كمنتج مبتكر للأفكار وحائز على استقلالية فكرية قوية ، أو كمتلقي اجتماعي ديناميكي وايجابي للإنتاج الثقافي .

5- هيمنة ثقافة الإفتاء الفضائي والاستشارة الدينية المباشرة عبر الويب على نطاق واسع، داخل الحقل الاجتماعي المغربي المفتوح بلا حدود على العالم .وقد أصبحت هذه الثقافة نموذجا فكريا ومرجعية سلوكية بالنسبة لشرائح واسعة من المجتمع المغربي ، مما نتج عنه تقلص أو تراجع الموقع الاعتباري للمثقف كخبير معرفة وفكر عملي، أو كمستشار ثقافي إن صح التعبير .

6- ضيق نطاق سوق القراءة إلى حد الآن .ولا نعتقد أن الجهة الحكومية تستطيع أن تمتلك إستراتيجية عملية وواسعة المدى للتخفيف من هذه المعضلة الهيكلية، في مجتمع يعرف نسبة عالية من الأمية. أضف إلى هذا أن مسألة القراءة على مستوى المعاينة السوسيولوجية ، مسألة بالغة التعقيد في مجتمع تمثل فيه المرجعية الشفوية ، محددا حاسما وجوهريا للفعل الثقافي السائد .

7- في مجتمع يشكل فيه الحقل الثقافي فضاء منفتحا على الخارج إلى حد الهوس بالإنتاج الثقافي الأجنبي شرقا وغربا، لايتم تكريم المثقف المغربي إلا لماما ، ولا تتم رعايته الاعتبارية أو تكريمه المعنوي ، في غالب الأحيان ، إلا بعد مرضه أو وفاته . وهناك اليوم عددا لا بأس به من المثقفين والمنتجين الثقافيين المغاربة الكبار يكابدون عزلتهم في غفلة عنا ، كما أن هناك بعضهم الآخر الذين يتم تكريمهم وتقديرهم الاعتباري في الخارج ، أكثر مما يستفيدون من وضع مماثل داخل بلدهم .

هل يمكن الحديث فعلا عن أزمة ما خاصة بالمثقف المغربي اليوم، أم أن وضعه الراهن وضع تاريخي عادي؟ وهل نعته بأوصاف قدحية كثيرة كالاستقالة من المسؤولية ، أو الصمت أو الموت ...أوصاف موضوعية، أم أنها مجرد أحكام سطحية وغير دقيقة ومثقلة بالتحامل عليه ، وعاجزة عن تحليل الأوضاع الثقافية للبلد ، وبالتالي تحليل الأوضاع السوسيولوجية الحقيقية للمثقف والفعل الثقافي .؟

يوجد المثقف المغربي في أوضاع سوسيولوجية بالغة التعقيد وغير قابلة للتحديد الدقيق. هنا لا يمكن في تقديرنا الشخصي، سوى الحديث عن معاينات لمواقع هشة وسهلة الاختراق، من طرف الايدولوجيا المهيمنة داخل الدولة وداخل الأحزاب السياسية على حد سواء، وبالتالي سرعان ما يتم إرباك المنطلق النظري التأسيسي لمفهوم النخب ولمفهوم المثقف ،وهما ينبنيان على أساس التماسك الصلب بين شرائح اجتماعية محددة سوسيولوجيا إلى حد كبير.

هناك اليوم في المغرب ديناميكية ثقافية قوية تجري داخل الحقل الاجتماعي.والسؤال الجوهري ليس هو مطالبة مثقفي اليوم بأن يكونوا فيما يفترض أنه شموخ مثقفي الأمس.لأن هذا النوع من التوصيف سطحي إلى حد كبير، وفيه الكثير من التجني البالغ على منطق الصيرورة التاريخية التي ترفض التكرار وقد ازدادت تعقيدا والتباسا في زمن العولمة والعوالم الافتراضية .

إن المثقف كما قال عبد الكبير الخطيبي: " سواء كان مناصرا للعقل أو للحكمة في خدمة الإنسان،أو كان مناصرا لقضية أو مثل أعلى،فهو مطالب بأن يتكيف باستمرار مع المبادئ والقيم التي يدافع عنها،وبالتالي فهو مرغم على سلوك موجه لذاته(.....)لأن عمله هو تحريك الفكر وتحليل المجتمع لا إدارته.". والمثقف،رغم أنه ليس في جميع الأحوال صاحب مشروع جاهز للتغيير، إذ ليست تلك مهمته، فهو ذلك الشخص الذي يمتلك بصفة حصرية كل الكفاءات التي تسمح له بتوقع سيناريوهات ممكنة للمرور إلى المستقبل.انه يمتلك في نظرنا، ذلك النوع من الوعي الذي يسميه الفيلسوف ارنست بلوخ"الوعي الاستباقي" أو" الفائض الطوباوي"الذي نعتقد أن المثقف في ضوءه،يستطيع أن يرسم طريقا أو يحدس دربا للمشي في اتجاه الآتي......