عدنان أحمد يوسف

يتمتع الاقتصاد الجزائري بالعديد من جوانب القوة التي تجعله قادراً على مواجهة الأوضاع الاقتصادية العالمية الراهنة ومواصلة تحقيق نمو جيد. وأصدر المنتدى الاقتصادي العالمي أخيراً تقريره السنوي الخاص بالتنافسية العالمية. وبالإضافة إلى الترتيب الخاص لمؤشر التنافسية في الدول المعنية، أجرى المنتدى استطلاعاً عن الأوضاع المالية، شمل تصنيفاً لأكثر الدول مديونية في العالم. وعلى الصعيد العربي، حلت السعودية في صدارة قائمة الدول التي لديها أقل نسبة دَيْن إلى الناتج المحلي بين الدول العربية عند 5.8 في المئة فقط، أما الجزائر فحلت في المرتبة الثانية عربياً إذ وصلت النسبة إلى 8.7 في المئة فقط، فيما حلت في المرتبة الثالثة الكويت بـ 10.6 في المئة، والإمارات في المركز الرابع بـ 19.4 في المئة، فعُمان عند 20.6 في المئة، وقطر بـ 35.8 في المئة. وعالمياً جاءت الجزائر في المرتبة الرابعة لجهة أقل الدول مديونية في العالم.

تُعتبر المديونية إحدى القضايا الأكثر سخونة في العالم اليوم، إذ انتقلت من مشكلة تخص الدول النامية أو الفقيرة في الأساس إلى مشكلة لتؤرق كثيراً من الدول الصناعية الكبرى في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة. وتصاعد الدَيْن العام لكثير من الدول إلى مستويات حرجة نتيجة للنمو الهائل في الإنفاق العام الذي صحب الأزمة في ظل ضيق النظرة حول القدرة المالية الحقيقية لهذه الدول على خدمة ديونها في المدى الطويل، الأمر الذي فتح جدلاً حول مستقبل الأوضاع المالية لهذه الدول والحاجة إلى وضع القطاع الحكومي والإنفاق العام تحت السيطرة.

ومن بين القضايا التي أصبحت أكثر إثارة للجدل حول مشكلة الديون أيضاً قضية استدامة الدَيْن العام للدولة أو استدامة المالية العامة، والتحديات المستقبلية التي يمكن أن تواجهها المالية العامة للدول المدينة نتيجة تصاعد مستويات الدَيْن القائم عليها. ذلك أن إفراط الحكومات في الإنفاق العام الذي يسبب النمو في الدَيْن العام في الوقت الحالي سيمثل عبئاً على المالية العامة للدولة في المستقبل، ومن ثم ستتحمل الأجيال المقبلة الجانب الأكبر من أعبائه، ما يؤثر سلباً في مستويات رفاهيتها نتيجة تحمل أعباء لم تشارك في اتخاذ القرارات الخاصة بها، بل ربما لم تستفد منها أساساً، وذلك حينما تذهب منفعة هذه الديون بالكامل إلى الجيل الحالي.

ومن أكثر المؤشرات استخداماً لقياس استدامة الدَيْن هي نسبة الدَيْن (أو القــيمة الحــالية له) إلى الــناتج المحلي الإجمالي. وتُعتبر هذه النـــسبة مؤشــراً أساسياً إلى قدرة تــسديد الدول للدَيْن العام. فكلما تراجعت هذه النسبة ارتفعت قدرة هذه الدول على تسديد مســتحقاتها السيادية، وتراجعت المخاوف من إمكان أن يشهد تصــنيف هذه الدول خفضاً من وكالات التصنيف الائتماني.

الجزائر استطاعت خفض دَيْنها العام إلى حدود أربعة بلايين دولار في الوقت الحالي بعدما كان في حدود 30 بليون دولار عام 1999. وخفضت الجزائر دَيْنها الخارجي تدريجاً من خلال التسديد المسبق، ما سمح بإيصاله إلى مستويات متدنية الآن. فعام 2005 اتخذ الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قراراً بوقف الاقتراض من الخارج نهائياً، والبدء بالتسديد المسبق للديون الخارجية بعد ارتفاع احتياط البلاد من العملة الأجنبية الذي بلغ عام 2009 نحو 150 بليون دولار جراء ارتفاع عائدات النفط والغاز. وسددت الجزائر نحو 120 بليون دولار من ديونها الخارجية بين 1985 و2005. وسددت عام 2007 في شكل مسبق نحو 9.7 بليون دولار من ديونها لـ «نادي باريس» بعد توقيع اتفاق معه عام 2006، كما وقعت مع روسيا عام 2006 اتفاقاً لإلغاء ديونها المستحقة لروسيا البالغة 7.4 بليون دولار في مقابل صفقة أسلحة. وبين 2012 و2015 انخفضت نسبة الدَيْن العام الجزائري إلى الناتج المحلي الإجمالي من نحو 27 في المئة إلى سبعة في المئة فقط.

ويؤكد صندوق النقد الدولي أن خفض نسبة الدَيْن العام ضرورية لأغراض ضبط المالية العامة ما يساعد في دعم التكيف الخارجي. ويُعتبر خفض نسبة الدَيْن العام واحداً من الوسائل لتحقيق هذا التكيف إلى جانب وسائل أخرى مثل تعبئة مزيد من الإيرادات غير الهيدروكربونية، خصوصاً بخفض الإعفاءات الضريبية وتعزيز التحصيل الضريبي، واحتواء الإنفاق الجاري، وإجراء مزيد من الإصلاحات في نظام الدعم مع حماية ذوي الدخل المحدود، والحد من الاستثمار العام مع إحداث زيادة كبيرة في مستوى كفاءته، وتقوية إطار الموازنة، وهي كلها إجراءات نوه الصندوق بحرص الجزائر على مواصلة تنفيذها من أجل الاستمرار في تحقيق النمو وتحسين فرص الاستثمار في السوق التي تتمتع بإمكانيات هائلة لم تُتكشف كلها بعد.