&أيمـن الـحـمـاد

هناك من يعمل ويمنّي النفس بإفساد العلاقات بين المملكة ومصر، وهذه حقيقة لا يمكن حجبها أو مواراتها، ومصدر تلك الرغبة إما عبر قوى خارجية أو داخلية بمعاول إعلامية أو حزبية، أو عبر توظيف شخصيات مؤدلجة ومأزومة، الغرض من ذلك يتفاوت بين مصالح فئوية ضيقة إلى أهداف أكثر تأثيراً تمس التوازنات في المنطقة، لكن الحاصل اليوم في العلاقات بين الرياض والقاهرة يكشف إلى أي مدى تكتسب تلك العلاقة بين البلدين حصانة شديدة.

أثبت البلدان الشقيقان منذ مراحل التأسيس أن علاقاتهما قادرة على الصمود أمام أي طارئ قد يحدث، فهما مدركان تماماً حجم تعويل المنطقة على علاقات سعودية - مصرية مزدهرة، وحتى عندما تنشأ مشكلة نتيجة اختلاف وجهات نظر، وينشأ عنها خلاف، دائماً ما كانت شعرة معاوية أكثر قوة مما نظن وعصية على القطع، إذ سرعان ما تعود المياه إلى مجراها الطبيعي.

تأتي الزيارة التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لتبدد وتنفي جميع ما يدور في أذهان البعض عن علة تشكي منها العلاقات السعودية - المصرية، فالزيارة تأتي في لحظة تاريخية بالنسبة للمنطقة التي تعيش أزمات نتيجة أمراض مزمنة تستوجب اليوم البحث عن مسبباتها وعلاجها لا تسكين أعراضها وتهدئتها، وعلى هذا الأساس، مارست المملكة مسؤوليتها تجاه أهم الدول العربية في المنطقة، ووقفت مع خيار شعبها ولم تنظر إلا لمصر التي لا مجال لإدخالها أتون تجارب من التهور السياسي بداعي "الربيع" أو غيره، وهي التي كانت رائدة العمل السياسي في المنطقة، لكن التجاذبات التي مرّت بها مصر وحالة الاستقطاب الشديدة لم تكن داخلية بحتة؛ بل أسهمت دول في القريب والبعيد تحت شعارات عدة في محاولة جر القاهرة نحو طريق يبدو أنه لم يحظَ بشعبية كبيرة.

تبعث المملكة من خلال الزيارة التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين إلى مصر، برسالة قوية إلى كل من راهن على أن بإمكانه تعكير صفو العلاقة، من خلال استغلال أي إشارة سياسية في زمن كثر فيه الهرج، وتأويلها باعتبارها مؤشراً على سوء العلاقة، لنقول إن البلدين مدركان لحجم الثقل الذي يمثلانه ولا يمكنهما المخاطرة بذلك الثقل تحت أي ذريعة، والمثير أن شدة الأزمات التي مرت بها المنطقة وتعقيداتها تعطينا إشارة تثبت نظرية صمود العلاقة بين الرياض والقاهرة، اللتين تمضيان دون أن تلتفتا نحو من يحاول أن يقف على جانب الطريق لينفث سمومه.

يؤمن الملك سلمان بن عبدالعزيز بوحدوية القرار الإسلامي والعربي، ويراهن على أن مصير هذه المنطقة لا يجب أن يُترك لغير دوله أو يُهمل لتعبث به القوى الكبرى، لذا كانت المملكة صارمة تجاه اتخاذ أي موقف ضد مصر.. وقد برهن المصريون أنهم قادرون بفضل الوعي السياسي وعراقة الحياة السياسة على التعامل مع مختلف الأزمات.. في هذا الجانب تعمل المملكة للمّ شمل الدول العربية والإسلامية من خلال تحفيز كل الأطراف المتدابرة إلى لقاء بعضها؛ ففي ذلك سمو تحتاجه المنطقة التي هي أحوج إلى التكاتف لا إلى التنافر، فالواقع يقول إن مصر وتركيا بلدان عريقان قريبان من بعضهما، وتعاونهما كان على الدوام يفضي إلى تقوية المنطقة التي تعاني الوهن بفضل الاضطرابات التي تحاول النيل من أمنها ووجودها.