&&الياس الديري&&

غلطة "طرابلس المسيحيَّة" يجب أن تُسجَّل في خانة مسيحييّ الفيحاء لأسباب متعدَّدة، أهمها وأخطرها مسارعة المسيحيِّين الى الهجرة الجماعيَّة من عاصمة الشمال، وإن مكرهين، وإن يكن الاضطهاد السبب الذي لا يُقاوم ولا يُناقش.

لكنها لم تكن المرة الأولى والأخيرة. سيبقى هناك من يعمل ويحرِّض ويسعى لغرس عوامل الفتنة في النفوس. وطرابلس ليست وحيدة في هذا المنحى. ولم تتفرَّد بهذه الغلطة. سواء في الماضي القريب والبعيد، وحتى في الانتخابات البلدية...

وليس في طرابلس وحدها، ولا في لبنان وحده تعرض المسيحيّون، وما زالوا يتعرضون، وسيتعرضون مستقبلاً للتحرّش والتجنّي والحض على الهجرة.

ولكن، أين المسيحيُّون؟ أين أولئك الذين باسمهم ينطقون ويخطبون، و"من أجلهم" يترشَّحون للنيابة والرئاسة، ويصارعون في منصب هنا ووظيفة هناك، و"التزام" هنالك؟

أينهم في الملمات و"احتفاليات" التهجير الجماعي؟ يُفترض أن توقظ هذه "الغلطة" عموم المسيحيّين من الاستقالة المزمنة، وتستردهم أو تنتشلهم من هاجس اللجوء الى "الوطن الآخر"، الذي ينتظرهم... للذوبان في الأصقاع النائية الى الأبد.

لا يجوز أن يبقى لبنان بالنسبة الى "المسيحيين القلقين"، أو الدائمي القلق، مجرَّد وطن موقت. أو محطَّة موقتة. أو مصدر رزق ينتهي عندما يجفّ نبع المصدر إياه.

مناطق وقرى معروفة بأكثريَّتها المسيحيَّة، من قديم الزمان، باتت اليوم في المرتبة الأولى على صعيد التهجير والهجرة. والسكوت والسكون يخيّمان فوق رؤوس المرجعيات المعنية.

إنها مسؤولية مشتركة بين فريقين، أو مرجعين: في المرتبة الأولى القياديون، والمرجعيات السياسيّة، ومحتلو المناصب الكبرى والمقاعد الوزارية والنيابيّة. وفي المرتبة الثانية يطلُّ رجال الدين بكبارهم وصغارهم. جميعهم مسؤولون عما يتعرَّض له المسيحيّون، وعما آلت إليه حالهم، وبدون استثناء.

وبالطرق والوسائل التي تجعلهم يتمسكون بلبنان على أساس أنه وطنهم، وبعيداً من كل تعصُّب أو رغبة في استئثار. وطنهم وطنٌ لجميع بنيه. من أكبر مدينة الى أصغر دسكرة.

هنا، عند هذا المفترق المصيري، يُطلب من الكبار في المسؤولية الدينيَّة أن يكونوا أقرب الى أولئك المبشّرين، والعين الساهرة على أبناء الرعية، من الباب الى المحراب. والكلام الى كل الطوائف المسيحيَّة، وبرسم البطاركة والمطارنة، وحملة المسؤولية في مختلف المؤسسات.

حارِبوا الخوف الذي يعشّش في النفوس والصدور. حارِبوا شيطان الهجرة الذي لا يكفُّ عن طرق جميع الأبواب.

أما بالنسبة الى المسيحيين المهاجرين، فليفكروا في العودة الى الوطن، وليفعلوا ما يفعله مهاجرو الطوائف الأخرى الذين يرفضون "الأوطان البديلة". فتشبَّهوا.