&مجاهد عبدالمتعالي&&

قادة الأحزاب الإسلامية كانوا ينقمون على الزعماء العرب أنهم يبقون في الحكم لأكثر من ثلاثين عاما، متناسين أن القيادات الحزبية نفسها للإسلاميين تمارس الاستبداد ذاته على أتباعها

مشكلة الحركات/الأحزاب الإسلامية أنها في حقيقتها البنيوية لا ترجع للمقاصد الدينية الثابتة، لأن في مقاصد الدين العليا إلزامات إنسانية تفسد عليها المنهج النفعي، مما يفقد هذه الأحزاب القدرة على العمل السياسي (الحركي) الذي يتكئ على (نحن وهم)، فالإسلام كدين جاء رحمة (للعالمين) وليس للمسلمين فقط، وحقيقة الإسلام تحطيم للكهنوتية والطبقية الدينية التي يريدها رجال الدين، ابتداء بالسيطرة على أماكن العبادة في الكنائس، ليأتي الإسلام فيجعل الأرض الطاهرة كل الأرض مسجداً كما قال الرسول الكريم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) كتحطيم للكهنوتية التي تصطنع في دور العبادة قداستها وهيمنتها ثم تبني عليها قوَّتها وقُوتَها وقُوت أتباعها من الكهنة، عبر التبرعات والصدقات والمعونات فيكونوا دائماً هم (الوحيدون العاملين عليها)، وعبر المكافآت ليكونوا هم الوحيدون أيضاً الذين يأخذون أجراً دنيوياً مادياً على العبادة/ الصلاة وإقامتها، بخلاف عموم الناس من المسلمين التي تؤدي عبادتها بلا مقابل مادي أو اعتباري بين الناس كنوع من الوجاهة، وكل هذا مما أتقنته الكنيسة قديماً وقد تعلمه بعض الإسلاميين ليصدق عليهم ما قاله الرسول الكريم: (لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).

&هذا على المستوى الاجتماعي وله متعلقاته في الواقع السياسي، فالحركات الإسلامية تريد احتكار القرار السياسي لصالحها عبر مسارين تعتمد الأول بحكم ضرورة الواقع وتُظهِر الثاني إن حصل (التمكين)، فالأول يكون بالتكيف مع واقع الحال عبر دعوى الشراكة، تحت عنوان يحتكرونه لأنفسهم فقط، بمسمى (أهل الحل والعقد) فلا علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع والقانون يعتبرون من أهل الحل والعقد في نظرهم، مع تجريف كامل يوجهون السلطة إليه ضد القوى والرموز الوطنية التي قد تتشكل من خارج دائرتهم، والتي قد تزاحمهم في مصطلح أهل الحل والعقد، وإما المسار الثاني بفرض شروطهم الخاصة في شخص من يمثل الولاية العامة التي يضعونها في (الإمام/ الخليفة) لترى هذه الشروط الخاصة وهي تكاد تشير لمواصفات لا تنطبق إلا عليهم كرجال دين، فهم من يفصل الثوب على مقاسهم تماماً، لتخرج علينا التجربة الدينية بوجهها المعمم (سنة وشيعة) مما نراه في البغدادي وغيره، أما التجربة الخمينية فتحتاج إلى مقال مستقل لندرك كيف تجنبت ولاية الفقيه المطبات الحديثة لمفاهيم العصر عبر القفزة العلمانية المبطنة لهذه الولاية (فهي خرافية الظاهر ديماغوجية الخطاب لكنها براغماتية الباطن إلى النخاع، مما استثمره الإخوان في تركيا بطريقتهم السنية، وبدأ الغنوشي في تعلمه والإقرار به بذكاءه وسرعة بديهته، وتبقى التجربة الخمينية هي الملهم الحقيقي للحركات السنية ولو أنكرت هذا، فكل (إسلامي سني) بداخله (زعامة خمينية) لكنها تصرخ: يا لثارات سيد قطب بدلاً من ثارات الحسين، متناسين أن (عقلية الثأر) طيلة التاريخ قد تقتل المستبد لكنها لا تقتل الاستبداد، وها هو القذافي مات شر قتله، ولكن الاستبداد باقٍ في عقول الثائرين ليعيدوا إنتاجه على رؤوس بعضهم من ليبيا حتى العراق.

&ولهذا فمحاذير الاقتراب من الحركات الإسلامية نقداً أو مناقشة أشد خطراً من الاقتراب من نقد السلطة نفسها التي تسمح ببعض المناورة في حدود ما يسمى (النظام العام)، فليست الحركات الإسلامية في مناط الاقتداء بسيرة النبي الكريم رحمة وحسن ظن وسماحة، أو خلفائه الأربعة كما حصل مع الإمام علي الذي لم يبادئ أشد أعدائه بقتال، بل الحركات الإسلامية هي أقرب تشبهاً بإرث الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان يحب الجدل فإن غلبه الخصوم في النقاش غلبهم بالقتل، ولا تعجزه حجة ولا استدلال، فكل معترض زنديق، وكل ذي رأي مختلف متهم في دينه وعرضه، وسبب ذلك أنهم الوجه المقابل الحقيقي للاستبداد السياسي الجاثم في الوطن العربي، فقادة الأحزاب الإسلامية كانوا ينقمون على الزعماء العرب أنهم يبقون في الحكم الديمقراطي بانتخابات مزيفة لأكثر من ثلاثين عاما، متناسين أن القيادات الحزبية نفسها للإسلاميين تمارس الاستبداد ذاته على أتباعها، بدعوى مصلحة الحزب، ولهذا تجد القيادات الحزبية تبقى لعقود أيضاً جاثمة على كرسي الزعامة الحزبية، لتتنافس مع الاستبداد السياسي في نفس المخرجات العقيمة والانسداد السياسي ولكن من موقع المعارضة، ولهذا لا نستغرب جوع السلطة الذي ظهر على حركة الإخوان في مصر عندما فازت في الانتخابات (عن طريق التحالف)، كان جوعاً وشبقاً لا يقبل الشراكة مع أي حليف في اقتسام أعباء الحكم، وجوعاً للسلطة أزرى بها حتى أمام الواقف معها من خارج الحركات الإسلامية.

فرانز فانون في كتابه (معذبو الأرض) على ما أظن أشار لتحولات السجين والسجان، وأنهما مع الزمن يعانيان من نفس المشاكل والأعراض السيكولوجية وآثارها السوسيولوجية، ليصبح السجين مرآة لحقيقة السجان، وليصبح السجان مرآة لحقيقة السجين، فتتداخل الشخصيتان لتكونا وجهين لعملة واحدة، فهل نضحك من الكوميديا السوداء التي نراها في الوجه الظاهر لتناقض الحركات الإسلامية ما بين عنت وملق ونعتبرها الوجه الخفي لسجون المستبدين ما بين عصا وجزرة؟!.