عادل درويش&&
«الأحداث يا ولدي العزيز.. الأحداث». عبارة الزعيم البريطاني الراحل هارولد ماكميلان بعد خسارته الانتخابات قبل 55 عامًا، عندما يغير حدث مزاج الناخب ويزلزل البناء السياسي. هي إحدى أكثر العبارات اقتباسًا وتداولاً عندما يغير حادث صغير، أو تتصادف بضعة أحداث وتتعاقب (من النادر تصادفها في يوم واحد لمئات السنين) وتغير كل التوقعات.. العبارة تدور في ذهني طوال الـ24 ساعة الماضية بعد تصويت الشعب البريطاني في أول استفتاء على مستوى المملكة وتوابعها منذ 41 عامًا.&
تصويت رعايا المملكة المتحدة بالخروج من الاتحاد الأوروبي تحول لزلزال هدد الثوابت الراسخة للديمقراطية الغربية التي تحتاج لـ«under - pinning» أو دعم الأساس من القاع وليس الترميم.
«الانتحار السياسي» لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون، أقدم تعبير جديد «أطول مذكرة انتحار» (وsuicide - note مجازيًا رسالة الوداع التي تبرر أسباب الانتحار) سذاجته في المفاوضات مع زعماء الاتحاد الأوروبي، وسذاجة استراتيجية الاستفتاء، التكتيك الذي وظفه بتزعمه حملة البقاء، وهو يحتاج إلى مقال آخر مستقبلاً.&
في اليوم نفسه (الجمعة) الذي لم يستطع فيه المستر كاميرون إخفاء مشاعره عند تقديم استقالته المؤجلة، بحث بعض نواب حزب العمال المعارض التقدم بمذكرة سحب ثقة من زعيم الحزب جيريمي كوربن. (24 توقيعًا بسحب تؤدي إلى دعوة البعض لتحدي الزعيم أو إعادة انتخابه في اقتراع بين نواب العمل، ثم تجرى انتخابات على المستوى القومي). غدًا تنعقد لجنة 1922 (أي نواب حزب المحافظين) لبحث إجراءات المرحلة الجديدة بتحديد مدة بقاء وزعامة كاميرون، ثم اقتراح أسماء جديدة لانتخاب زعيم يخلفه.&
الزلزال ضرب أسس الحزبين الكبيرين. إذا لخصنا حملة الاستفتاء بجملة واحدة، فهي معركة «الغلابة الكادحين» ضد نادي «الأثرياء المستغلين». وانتصر الطرف الضعيف على الطرف القوي. الأمر ليس مجرد أن أغلبية الناخبين العاديين (أو قرابة 17 مليونًا يمثلون 51.9 في المائة من أكثر من 35 مليونًا أو 73 في المائة من المقيدين في جداول الانتخابات)، لم تخدعهم أكاذيب وتضليل «المؤسسة الحاكمة» التي استعانت بفروعها قوميًا وإقليميًا وعالميًا، التي حشدها كاميرون (الرئيس أوباما ومعظم رؤساء العالم وصندوق النقد الدولي والشركات العالمية ومتعددة الجنسية والبنوك الكبرى كـ«جي بي مورغان» و«غولدمان ساكس») في حملة لتخويف الناخبين بأنهم سيصبحون أفقر من كوريا الشمالية بالاستقلال عن بروكسل، بل لأنه بالفعل تمرد ورفض ما عرفه العالم متفائلاً بـ«النظام العالمي الجديد» الذي أعقب سقوط حائط برلين الذي استخدمت أحجاره في بناء فيلا الأغنياء وبقوا هم خارجها.&
في بريطانيا 650 دائرة انتخابية برلمانيًا. في الاستفتاء أعيد دمجها في 282 دائرة مقسمة حسب الكثافة السكانية موزعة بين أمم المملكة المتحدة (اسكوتلندا، وإنجلترا، وإمارة ويلز، وآيرلندا الشمالية، والتوابع في جبل طارق، ومالطا، وجزر القنال الإنجليزي).&
وصلت أولى النتائج قبل منتصف الليل من جبل طارق. صوتت أغلبيتها (82 في المائة) بالبقاء لأن تجارتها والطريق إليها عبر إسبانيا التي لا تزال تطالب بالسيادة عليها.
الاتجاه الثالث تجاوز مجرد رفض المزاج الإنجليزي للمركزية التي تلخصها البيروقراطية في الاتحاد الأوروبي (الثورة الصناعية ونمو الثروة تقليديًا من القاعدة، وتتبع الديمقراطية الإنجليزية النمط نفسه) فحسب، بل ثورة وتمرد على المؤسسة الحاكمة والعولمة التي لم ير المواطن من نتائجها أي فائدة فحسب، بل تراجع مستواه المعيشي بسبب انخفاض الأجور من الهجرة الأوروبية.
التعليقات