&أيمن الحماد
قال توماس جيفرسون – الرئيس الثالث لأميركا – يوماً: لاتزيد الديمقراطية عن كونها حكم الغوغاء حيث يمكن 51% استلاب حقوق 49%.
وهذا ما حدث يوم أمس عندما قرر 51% من البريطانيين الانفصال عن الاتحاد الاوروبي، تاركين القارة العجوز في موقف صعب، وواضعين علامات استفهام كبيرة حول مصير أوروبا التي تتجاذبها المِحن، لقد نظر 51% من البريطانيين إلى الاتحاد الاوروبي على أنه مركب يغرق، وأن على بلادهم القفز منه، نتحدث عن بريطانيا التي في الاساس لم تغير عملتها «الجنيه» ولم تكن يوماً جزءاً من فضاء «شنغن»، فما هو شعور بقية الاعضاء الكاملي العضوية؟ لقد وضع الاستفتاء استفهامات مشروعة حول الديمقراطية فكراً ومشروعاً، ستكون محل جدل في المجتمع البريطاني.
إن الاستفتاء يفضح انقساماً حقيقياً موثقاً بالأرقام بين البريطانيين، فلم يرجح كفة الخروج من الاتحاد إلا نسبة 1%، فقد جاءت النتائج لصالح المصوتين بالخروج بنسبة 51% بمعنى أن حوالي نصف البريطانيين أيضاً هم مع البقاء في الاتحاد الاوروبي.
قبيل أيام تحدث رئيس المجلس الاوروبي البولندي دونالد تاسك - وهو أستاذ تاريخ بالمناسبة - قائلاً: إن خرجت بريطانيا من الاتحاد الاوروبي فهي نهاية الحضارة الغربية. وإن كان من مبالغة في هذا الحديث الذي أدلى به رجل أوروبي مسؤول، إلا أن حجم التأثير السياسي والثقافي والحضاري لأوروبا على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي لايمكن الاستهانة به.
المخيف أكثر هو تفتت بريطانيا وتذرّيها، فلم يكن استفتاء انفصال اسكوتلندا يمر بسلام حتى حلّ ما هو أكثر وأشد وطأة بخروج بريطانيا من الاتحاد، واليوم قد يشجع هذا الانفصال على استقلال الاقاليم الاربعة التي تتكون منها المملكة المتحدة، وهذا واقع حقيقي، ليس ذلك فحسب بل علينا أن نستعد لاستفتاء دول أخرى على البقاء في الاتحاد في أقصى الشمال الاوروبي مثل دول اسكندافيا، بل ومطالبات باستقلال بعض الاقليم في اسبانيا وغيرها، وهذه ليست مجرد توقعات بل وقائع مطلة ويتم الحديث عنها، وحدوثها أمرٌ وارد بشكل كبير.
لقد نسف الاستفتاء البريطاني مفاهيم كان يروج لها منظّرون وسياسيون بأن دول العالم تتجه نحو التكتلات السياسية والاقتصادية،
لقد وضع الاستفتاء حداً لهذه المقولات حتى الدول التي كان لديها مشروعات من هذا القبيل ستنظر في مصوغات اتحادها من عدمه، لكي لا تواجه مصير الاتحاد الاوروبي الذي يبدو أنه يتأرجح بسبب اختلال في تركيبته السياسية والاقتصادية والثقافية.
التعليقات