&سعد بن عبدالقادر القويعي&&

في سياق البحث عن إجابة شافية عن التساؤل المرير، حول سر انضمام من خدعوا إلى التنظيمات الإرهابية، نرى بأن التطرف سبب رئيس في الميل عن جادة الاستواء في الفكر، والسلوك، وفي التصور، والممارسة، والذي يولد داخلياً على مستوى الفهم المنحرف، ثم يترجم خارجياً إلى السلوك المتطرف بمستوياتها الثلاث، وذلك من خلال البيئة المنتجة للإرهاب، والبيئة المنسجمة مع الإرهاب، والبيئة الموظفة للإرهاب.

إن عقلية الشباب التي تتشكل في فترة المراهقة، إذا ما شكلت وفق نسق أحادي متشدد، يرفض التعايش مع الأنساق المجتمعية الأخرى، فإنها تخفي حينئذ في طياتها تهديدات متطرفة، وإرهابية كامنة؛ لأن الإشكالية تكمن في ارتباطها بالدلالة التي يحملها الخطاب، وهذه الدلالة تنطلق من بنية بيئية متطرفة، -وبالتالي- طرح إشكالية تتجاوز خطابياً الفعل وردّ الفعل، إلى معادلة التطرف، والإرهاب.

الحاجة الماسّة إلى وعي دقة المرحلة، تقتضي إدراك جاذبية الأسلوب الذي يستخدمه تنظيم داعش في مخاطبته، وحداثته؛ كونها أحد أهم الأسباب الجاذبة للشباب للانضمام إلى تنظيم داعش، حيث يستخدم التنظيم في ذلك «جيوشًا إلكترونية « من شباب العشرينيات، الذين لديهم خبرة في استخدام أدوات التواصل الاجتماعي، وصياغة الرسائل الجاذبة للشباب عبر فيديوهات مصورة، ومعدة باستخدام تقنيات هوليوودية متطورة، تظهر تسجيلات لتدريبات التنظيم، ومقاطع مزعومة لانتصاراته.

من ناحية المساحة الإعلامية، فقد أصدر التنظيم مجلة ترويجية باسم «دابق» بعدة لغات في 8 يوليو 2014م، يتم توزيعها إلكترونيّاً، وتبني الأسلوب الأمريكي في الترويج لذاته؛ فأطلق خطًّا لإنتاج الملابس تضم قمصانًا، وقبعات تحمل شعاره، وتوقيعه، وطوّر رسومات لبعض الأسلحة التي يستخدمها مقاتلوه، ونشر لعبة إلكترونية جديدة أطلق عليها « صليل الصوارم»، وذلك في محاكاة لألعاب الحرب التي اخترعتها بعض القوى الكبرى؛ للترويج لبطولاتها، كما يقول - الأستاذ- يوسف ورداني.

ويضيف الكاتب، بأن التنظيم بدوره طوّر من خطة تجنيده للمقاتلين، بحيث أصبح لا يستهدف الشباب -فقط-، بل اتجه إلى تجنيد الأطفال، والمراهقين في سن يتراوح بين «12 - 13» سنة، فيما يعرف بأشبال التوحيد. كما أنه أصبح لا يقتصر على نشر رسالته عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بل إنه يجري مقابلات مع الشباب المحتمل تجنيده عبر حساب «اسكايب»، وجمع المال، والتبرعات من المتعاطفين معه، حسبما أفاد بذلك «رصدٌ 2»، والذي أجراه المعهد التنفيذي لمعهد الشرق الأوسط للأبحاث العلمية المتخصص بمراقبة المواقع على شبكة الإنترنت.

إن الفهم الواعي لما يجري من تبدلات في هذا الكون، وتسلح المجتمعات المتقدمة بأدوات المعرفة؛ لمواجهة مصاعب الحياة، كفيلة بأن تحفظ أولادنا، وألا يمكنهم من تشكيل خلايا إرهابية؛ حتى لو نجح التنظيم، والجماعات التي تماثله في الوصول إليهم، وتجنيدهم، وهو ما أكد عليه رئيس حملة السكينة -الشيخ- عبدالمنعم المشوح، عندما طالب بـ: « ضرورة تأسيس مركز وطني ؛ للتعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي، وأن نصنع بيئة موازية لعالم الإنترنت، تستطيع أن تقضي تماما على الإرهاب»، ليس في صفوف التنظيم -فقط-، بل في التنظيمات الإرهابية الأخرى التي تتبنى أفكاره، واستراتيجياته.