&زياد الدريس

من المتعذر الحكم من الآن على مجريات ومآلات المشهد التركي بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة، الأسبوع الماضي، إذ ما زالت أعراض المحاولة متغلغلة في الجسد التركي الذي يقاوم بضراوة الاستسلام لها.

لكن من اللافت أن بعض المحللين قد صنّف ما يجري في تركيا بأنه مشهد جديد من ملامح الربيع العربي الذي يلف ويعبث بالمنطقة منذ نهاية العام ٢٠١٠. علامَ استند تصنيف شأن (تركي) ضمن ملف عربي؟ هل الجوار الجغرافي هو الدافع لذلك التصنيف؟ أم أنه المشترك الديني / الإسلامي بين تركيا والعالم العربي؟ حسناً، هل لو جرت محاولة انقلاب مماثلة في إيران، المجاورة أيضاً، سيُدرج ما يجري فيها ضمن ملف الربيع العربي؟

هذه الأسئلة، وأسئلة مشابهة يمكن أن تتفرع عنها، ستفتح لنا كوّة على سؤال جوهري: هل ما يجري في المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية هو ربيع عربي حقاً، أم أنه ربيع أوسطي يمهّد لصنع «الشرق الأوسط الجديد»؟!

نحن لا نتكلم هنا عن (نظرية مؤامرة)، بل عن عملية سياسة استراتيجية معلنة منذ الثمانينات، ومدونة في وثائق ومحاضر وخرائط لم تعد سرية.

وجود هذه الخطة الغربية لتغيير وجه المنطقة وإعادة توضيبها، ضمن ما يمكن تسميته «سايكس – بيكو 2»، لا يعني الاستسلام لهذا (القَدَر) وتسليم مفاتيح الأبواب لمن يريد تغيير الأثاث، وأحياناً ما هو أكثر من الأثاث! لكنه يعني استذكار الوعي الدائم بأن هناك طرفاً آخر يشارك في مجريات الربيع العربي أو الربيع الأوسطي، من طريق الإنابة كثيراً وبالأصالة أحياناً، وقد ظلت مشاركته أكثر وضوحاً في الحالة السورية خصوصاً. والآن تبدو بصماته قوية في محاولة الانقلاب التركي، الفاشلة ... حتى وقت كتابة هذا المقال!

ما الذي يريده الغرب من هذه المنطقة، ولماذا لا يتركها في حالها كما يفعل مع مناطق أخرى من العالم؟

ألم يكتفِ بسايكس - بيكو الأولى، والتي تزامنت، مصادفة أو عنوة، مع بدايات العصر النفطي؟ ولماذا يحتاج إلى سايكس - بيكو ثانية إذا كان حقاً ما يردده خبراؤه من أن النفط على وشك النضوب؟!

هل الصراع هو ديني/ حضاري بين الشرق والغرب، وكيف ينسجم ذلك مع تحلّل وانسلاخ معظم دول الغرب من الدين، أو على الأقل من الدافع الديني في الحياة؟

أم هو صراع سيادة على وسط الأرض وملتقى المعابر المائية الأهم في العالم، الذي كان «لسوء الحظ» هو نصيب العرب من اقتسام الكرة الأرضية!

لا شك في أن محاولة الانقلاب في تركيا، سواءً نجحت أو فشلت، لن تمر مرور الكرام على نشرات الأخبار، وستكشف تحقيقاتُ واستقصاءات هذه العملية الاستخباراتية المزيد من أوراق العلاقة الغربية بالربيع العربي/ الأوسطي.