&حسين شبكشي

هل العالم الآن أكثر اضطرابًا من أي وقت مضى؟ سؤال يبدو من الجانب المنطقي والعقلاني بديهيًا أن يتم طرقه، في ظل الكم المهول من الأحداث الدامية والمتوحشة والمتتالية بشكل أقل ما يقال عنه إنه مدهش ومقلق، ولكن هل العالم الآن فعلاً في وضع «أخطر» من ذي قبل، أم أن التقنية الحديثة هي التي تمكننا من «العيش» مع كل حدث بشكل آنيّ وفوري، بعد أن كانت تصل إلينا أخبار هذه الحوادث بعد حدوثها بفترة من الزمن؟

اليوم بوجود أجهزة هواتف جوالة ذكية جدًا، أصبح بإمكانها نقل جميع الأخبار صوتًا وصورة وكتابة، بشكل يسابق الزمن ويلغي تمامًا فكرة الوسيط الإخباري، الذي كان يبسط الصيغة الخبرية وينقلها بعد التهذيب والتجهيز، أما الآن فالخبر ينقل بشكل فوري بغض النظر عن دقته أو حتى صحته في بعض الأحيان والحالات، لأنه بالتقييم التاريخي الدقيق والموضوعي، يعتبر العالم بشكل جمعي هذه الأيام يعيش أفضل حالاته من ناحية السلم العام، فلا توجد حروب أهلية طاحنة ولا حروب عالمية، ولا مواجهات باردة تسبب حروبًا بالوكالة تشعل جيوبًا مختلفة، كما كان يحدث في السابق مرات كثيرة. أما اليوم فيعيش العالم مواجهات سريعة وعنيفة، ولكنها أشبه بجولات حارة تنال الاهتمام السريع، وبعدها يأتي خبر آخر يغطيها.

جميع الأخبار تحمل الصبغة ذاتها؛ قتل وعنف ودماء باسم «الإرهاب» الذي بات يرتبط باسم التطرف الديني، وخصوصًا الدين الإسلامي، بحسب الازدياد العنيف في عدد الحالات المشابهة، ولكن هناك عنفًا متزايدًا في الجهة الخبرية الأخرى في الغرب، وخصوصًا في الولايات المتحدة، فهناك عنف دموي واضح نتاج الانفلات المهول في فوضى تملك وحيازة السلاح العشوائي، الذي تسبب بجرائم عنصرية ضد الأميركيين من أصول أفريقية، أو ضد رجال الشرطة المتهمين بإساءة التصرف والشروع في قتل الأميركيين من أصول أفريقية بشكل متعمد وخالٍ من الرحمة. ولكن العنف فيه انتقاء وتحيز، ومن الواضح أن التقنية تنافق؛ فالدماء لها مقامات، فدماء نيس وبلجيكا وأورلاندو وباريس «أهم» من دماء غزة وحلب وجنوب السودان وبورما على سبيل المثال.

التركيز الإعلامي المرتبط بما ينقل على الهواتف الذكية له علاقة بقيمة المكان وأهميته وثقله، وبالتالي تتكون فكرة أن هناك أخبارًا أهم من أخبار أخرى، وعليه تكون المحصلة أن هناك دماءً أغلى من غيرها.

الإعلام لا توجد فيه منطقة محايدة ولا منطقة موضوعية، ولكنها نفوس بشرية تسعى وتحاول أن تكون منصفة وعادلة، ولكن الواضح أن النقل العاطفي للخبر يحول المادة إلى ما «نرغب» في أن يكون أكثر مما «حدث» بالفعل. التقنية تزداد قوة وبالتالي سيزداد «انغماسنا» في الأخبار في المستقبل، ولكن سيظل الخبر الأبرز الذي سننغمس فيه انتقائيًا بحسب ما هو مهم وليس بما يحصل.
&

&