&حسين شبكشي


مع كتابة هذه السطور لا تزال وسائل الإعلام تتابع حادثتين في منتهى الأهمية. الحادثة الأولى تتمثل في الحادث الإرهابي الأخير الذي وقع في مدينة نيس الفرنسية، وراح ضحيته حتى الآن 84 شخصًا، بعد دهسهم بشاحنة كبيرة، وتبنى هذا العمل الشنيع التنظيم الإرهابي المعروف باسم «داعش».

وطبعًا خرجت أصوات تدافع وتبرر وتوضح أن هذا الشاب من المغرر بهم، والضالين طريقهم، ويقولون عن الضحايا الأبرياء إنهم كانوا يستحقون القتل وما أصابهم، وهذا هو مأزق هذه الأصوات في خطابها الديني، والمتمثلة في شريحة من الدعاة والمشايخ والأئمة، الذين هم بحاجة إلى أن يحددوا مواقفهم بوضوح تام، فهم في حلقات دروسهم يفتنون الشباب ويحرضونهم على الفتنة وعدم التسامح، ويصورون لهم الآخر بأنه عدو تجب مقاتلته من دون سبب، ويرددون الأدعية بهلاك هذا العدو، ثم تراهم عندما تحدث أعمال إرهابية يقتل فيها بشر، سرعان ما يقومون بتبديل هذا الرأي التصريح علنًا بالعزاء لكل مصاب ولأهل الضحايا، وأن دم وروح الإنسان حرام أيا كانت ملته، وذلك في موقف مغاير ومعاكس تمامًا لما كانوا يصرحون به ليلا ونهارا.

إن ما يقوم به هؤلاء هو ترديد لعبارات ثابتة تعودوا عليها، كانت لها أسبابها في الماضي، فأصبحت الآن لا سند لها مطلقا، ويرددونها من دون تفكير ولا تأمل ولا تدبر، إن هؤلاء ليس لديهم تفسير عقلاني لما يحرضون عليه، ولا يمكن إلا اعتبارهم شركاء محرضين بشكل مباشر لكل تلك الجرائم البشعة والتي لا تزال مستمرة.

أما الحادثة الثانية فهي محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها فصيل من الجيش في تركيا ضد الحكومة. كنت أجد سخرية هائلة في تصوير ما حصل بأنه معارك دينية وحق وباطل، وغير ذلك من الديباجات الجاهزة المعدة سلفًا لنصرة وجهة نظر الفريق المتحمس.
ببساطة تركيا دولة مدنية تنضج بشكل عظيم، تم فيها إرساء فكرة المؤسسات القوية التي لا تعتمد على الحاكم وحده. فالإعلام يراقب البرلمان، الذي يراقب القضاء، الذي يراقب الجيش، فتكون الدوائر تعمل بفعالية.

الشعب الذي نزل إلى الشارع لم يلبِ نداء شخص، ولكنه حمل أعلام بلاده فقط، وابتعد عن تقديس الحاكم على عكس بشار الأسد، الذي واجه شعبه بالدبابات، بينما واجه إردوغان الدبابات بشعبه.

هذا هو الفرق، وهذا هو الدرس والعبرة. مشهدان مؤثران في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة الذي لا تزال مؤثرة ومتأثرة مما يدور فيها وحولها. التطرف يؤدي للإرهاب ولا جدال في ذلك، ودولة المؤسسات كفيلة بحفظ الحقوق، بغض النظر عن الانتماء. أهم درسين مما حدث حتى الآن.
&

&