&لم تعد الأمثلة الشعبية التي تتناول موضوع الزواج تنطبق على المجتمع اللبناني الحالي. وحده المثل الذي يوصي العريس بأن يشاور نفسه قبل أن يرتبط بشريكته لينجبا الأطفال لا يزال مفعوله سارياً. لكن دائرة الحسابات توسعت لتشمل عناصر أخرى دخلت اللعبة: عمل الرجل والمرأة، العلم والدراسة. وسؤال يطرح نفسه: هل الوضع يسمح بإنجاب الأطفال؟ على رغم تغير الأزمان وتقدمها، يضع معظم الشباب اللبناني الوضع الاقتصادي في رأس المعوقات أمام إقدامهم على الزواج. وفي لبنان ينقص الوضع الاقتصادي الاستقرار السياسي ما يدفع الكثير من الشباب إلى الهجرة.

كشف السفير اللبناني السابق لدى واشنطن رياض طبارة أن «أكثر من 35 ألفاً من المواطنين يخسرهم لبنان سنوياً وغالبيتهم من الشباب، الأمر الذي أحدث خللاً بالتوازن بين الجنسين في سن الزواج وإن كان حقق توازناً بسبب الهجرة من الجنسين، إضافة الى تشكيل الهجرة صمام أمان في وجه ارتفاع مستوى البطالة».

وذكر أن «معدل الإنجاب عند المرأة اللبنانية 1.6 في المئة، مما سيجعل النمو الطبيعي للسكان في لبنان سلبياً في المستقبل المنظور، يضاف إلى سلبيته عامل الهجرة». وبرأيه أن «الجيل الماضي كان يعيل أطفالاً أكثر ومسنين أقل، والجيل الحالي يعيل العدد نفسه من الأطفال والمسنين، أما الجيل القادم فإنه سيعيل أطفالاً أقل من المسنين».

دحض طبارة في حديث إلى «الوكالة الوطنية للإعلام» (الرسمية) لمناسبة صدور كتابه الجديد بعنوان «لبنان - مشكلات إنمائية وإنسانية بالأرقام»، في تفسيره «لعدم قيام لبنان بإجراء تعداد لسكانه استناداً الى المخاوف الطائفية كما يشاع»، لأنه كما قال إن «السبب غير علمي ولأنه وفي كل إحصاء في التعداد لا لزوم للسؤال عن الطائفية والمذهب، كما يحصل في غالبية الدول، واتفاق الطائف وضع الأسس للنظام الطائفي على أساس المناصفة».

وتوقّع طبارة الذي أجرى دراسة ركز فيها على بعض ما سماه الإشكاليات المهمة وغير المعروفة عامة والمتعلقة بالموارد البشرية اللبنانية أن «ينخفض عدد الاطفال دون 15 سنة خلال 2010-2040 إلى أقل من النصف، وأن يزداد عدد المسنين الى 65 وما فوق، ليصبح عدد المسنين أكثر من عدد الاطفال آخر هذه المدة». وطالب بـ «توسعة عدد دور العجزة بدءاً من اليوم، خصوصاً تلك المتعلقة بالنساء، لأن عدد المسنات سيفوق عدد المسنين بحوالى 44 في المئة بحلول عام 2040، وأن عدد النساء الأرامل سيشكل الثقل الرئيسي والمتزايد في هذه الفئة العمرية».

وأشار إلى «الانخفاض التدريجي في الخصوبة في لبنان، والذي بدأ مع الحرب الأهلية»، مستنتجاً أن «العدد الوسطي لسكان لبنان سيبقى حوالى 3.9 مليون حتى العام 2020». وذكر بأن «الفئة العمرية ما بين 5 إلى 14 سنة بدأت بالانخفاض، وهم الخزان الرئيسي للمدارس الابتدائية، ومن المتوقع أن ينخفض الى 21 في المئة بين 2010 و2020، وحوالى 40 في المئة بحلول عام 2040».

ولفت الى أن «التحويلات المالية بسبب الهجرة تجاوزت الـ 7 بلايين دولار سنوياً، ولكن يقابلها تحويلات الأجانب العاملين في لبنان والتي تصل الى حوالى 4 بلايين دولار سنوياً ومن نتائج هذه الأوضاع أن الأسرة اللبنانية بدأت تشهد تغيرات، وهو ما يترك أثره على شبكة الأمان الاجتماعي».

أما في ما يتعلق بالتعليم، فقال إن «نسبة الأمية في لبنان انخفضت بشكل كبير خلال العقود الماضية، ولكنها لا تزال تبلغ 6 في المئة، وبين النساء 8 في المئة، وأن التسرب المدرسي هو بين الذكور في المرحلة الابتدائية، وأن عدد النساء في الجامعات يفوق عدد الرجال بحوالى 12 في المئة». وأسف «لأن كل المؤشرات المتاحة تدل على أن الأجور لم ترتفع في الحقبة ما بين انتهاء الحرب الأهلية وعام 2015 بنفس نسبة ارتفاع الاسعار خصوصاً أن الأجور عند انتهاء الحرب الأهلية كانت منخفضة كثيراً بسبب انهيار سعر صرف الليرة والتضخم في الاسعار الذي رافقها، ما يؤدي الى تشوهات في الوضع المعيشي لهذه للعائلات».

وأكد أن «السياسات الآيلة للنهوض بالموارد البشرية عامة، في مجالات السكان، والعمالة، والبطالة، والصحة والتعليم وغيرها من السياسات الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة، تشكل العمود الفقري لسياسات التنمية في شكل عام ولكنها تبقى مهملة الى حد كبير في لبنان لمصلحة السياسات المالية والمصرفية».