&عبد الهادي حبتور


«أنا رجل أعرف أين أقف وإلى أين سأسير، وماذا أريد، والصورة لي في جوانب حياتي كلها واضحة وضوح الشمس». بهذه الكلمات وصف الشاب السعودي هاني الملا نفسه قبيل خروجه من مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة.

وبعد سنوات طويلة عاشها هاني في مناطق الصراع التي ذهب إليها وهو في الخامسة عشرة من عمره، قال: إن أحد الأسباب الرئيسية التي توقع الشباب في شراك الجماعات الإرهابية المتطرفة في الخارج هو وجود تعبئة منفلتة وغير ممنهجة للمجتمع، لافتًا إلى أن الشباب كانوا حقل تجارب لأفكار جماعات وأحزاب وأشخاص كل منهم سعى للحصول على حصته من أبناء البلد وأمواله.

وأضاف: «لا يعود المغرر به للوقوف مع ذاته ومحاسبتها إلا إذا ذاق الألم، وقتها يبدأ في إعادة ترتيب قناعاته، مع ذلك يحتاج لإرادة قوية، والبعد عن أصدقاء السوء لأن الكثيرين للأسف يراقبون أصدقاءهم أكثر من مراقبتهم لله، يجب القضاء على سلطة الأصدقاء التي قد تعيد التائب إلى وضعه السابق».

وكان هاني الملا ضمن 500 شخص قامت حملة الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز بتحجيجهم هذا العام والمخصصة للمستفيدين من برنامج مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية وأسرهم.

وحظيت الحملة التي انطلقت من ثلاثة مواقع رئيسية في كل من (الرياض - جدة - الطائف) برعاية خاصة وتوفير كافة الإجراءات والترتيبات اللازمة لتيسير رحلة الحج للمستفيدين، مع توفير متطلبات تأمين الإعاشة والرعاية الطبية. وتعد هذه الحملة ضمن برامج الرعاية اللاحقة التي يقدمها المركز للمستفيدين وذويهم التي تنفذ للسنة السابعة على التوالي.

ورغم أن الملا غادر إلى مناطق الصراع وهو في سن مراهقته المبكرة، بعد أن غرر به، فإن الألم الذي اكتوى بناره من الجماعات المتطرفة، أدى في النهاية لأن يراجع قناعاته ليكتشف زيف ادعاء هؤلاء ومتاجرتهم بعقول وصدق نوايا الشباب السعودي.

وفي مقابل لغة القتل والتدمير والتكفير والظلام التي تنتهجها هذه الجماعات الإرهابية في الوقت الراهن، واجه هاني ذلك بالوجه الآخر للحياة، حيث الطموح والعلم والمستقبل، واستطاع خلال فترة إيقافه تعلم ثلاث لغات حية (الإنجليزية، الفرنسية، والروسية)، وألف الكثير من الكتب فيما ترجم كتبًا أخرى من لغاتها الأم إلى اللغة العربية.

يقول هاني الذي يقترب من توديع عقده الثالث «للأسف هناك جماعات وأشخاص وأحزاب استطاعوا تكوين ولاءات لهم في المملكة في السابق، وكان هناك تعبئة للمجتمع غير ممنهجة، والساحة مفتوحة لكل من يأتي، كنا حقل تجارب وأتت إلينا أفكار خارجية».

يرى هاني أن هذه التعبئة المنفلتة جعلت المجتمع في كل مرحلة عبارة عن فتيل ينتظر من يشعله، مبينًا أن «داعش» (أم المصائب) كما وصفه، هو إحدى نتائج هذه التعبئة الخاطئة، وقال: «ظلينا لفترة طويلة جدًا نتحدث عن الخلافة بشكل نظري عام، ليس هناك دراسات علمية وعملية منهجية تبين لنا ما هي الخلافة بشتى الاختلافات في مفهومها، هل هي مقصد هل هي وسيلة، ماذا يندرج تحتها، فجاءت داعش وفي يوم وليلة فعلت ما لم تتجرأ على فعله (القاعدة)، لأن كلمة (الخلافة) موجودة في اللاوعي لكل مسلم، فاستغلتها».

وتابع: «هذا العمل (تأسيس داعش للخلافة) ليس ارتجاليا هناك من درسنا بشكل جيد واستقرأ ما نحن متعطشون له وحال أمتنا بين الأمم فعلم ماذا نريد ثم استخدم هذا المفتاح».

دور مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة

يؤكد هاني الملا أن مسألة إعادة ترتيب قناعاته بدأت قبل فترة طويلة من دخوله مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة، لكنه يشير إلى أن المركز كلل هذا التصحيح ورسخ هذه القناعات وأزال كل ما تبقى من عوالق.

يتابع سرد قصته: «في يوم خروجي من المركز سألوني صف لنا نفسك، فقلت: أنا رجل أعرف أين أقف، وإلى أين سأسير، أعرف ماذا أريد، والصورة لي في جوانب حياتي كلها واضحة وضوح الشمس».

وبحسب الملا، فإن المستفيد عندما يأتي إلى المركز يكون لديه عنصران رئيسيان هما: الأفكار، ومخرجات الأزمة أو الفترة النفسية، وهما ما يجب التركيز عليهما بشكل كبير، لافتًا إلى أنه لا يكفي إصلاح الجانب الفكري مع إغفال الجانب النفسي، فمخرجات سنوات التوقيف تؤثر كثيرًا وقد تفسد حتى الإصلاح الفكري، وما رأيته من المركز التركيز على الجانبين بطريقة احترافية.

وأردف «الجانب الفكري، أوجد له دكاترة في الجانب الشرعي لأكثر المشاكل الفكرية التي توصل الشباب للمركز وهي شبهات في الجانب الشرعي، وجدنا ثراء علميا، سهولة إيصال المعلومة، وطول البال على التساؤلات، معلوم أنه عندما يأتي موظفو المركز في البداية يكون هناك تحفظ، وكسر الحاجز بين الشهر الأول والثاني يعد هذا إنجازًا».

أما في الجانب النفسي فهناك أخصائيون نفسيون واجتماعيون يزاولون مهماتهم بخطين متوازيين أكاديميًا عبر المحاضرات، وآخر عبر الجلسات الخاصة مع المستفيدين.

ويشدد هاني على أن هناك عناصر أساسية توصل الشاب للوقوف مع نفسه، أولها الإرادة ثم تغيير البيئة وأهمية أن يزول تأثير الأصدقاء، وأردف «طالما كانوا (الأصدقاء) موجودين ولم تغيرهم لن يتغير شيء، وهذا محزن لأن رقابة الناس لدى كثير من الشباب أقوى من رقابة الله، هذا رأيته بنفسه، يراقبون أصدقاءهم أكثر من مراقبة الله، لي نقاشات طويلة مع الكثير من الموقوفين وأصل معهم إلى نتائج وأسألهم لماذا لا تتغير فيكون الرد بكل بساطة: لا أحد يدري بالكلام الذي دار بيننا، هذه سلطة الأصدقاء، هناك ضغط غير طبيعي».

ويؤكد هاني الملا أن الحصانة الفكرية للشباب والنشء في الوقت الراهن الذي تنتشر فيه الجماعات والأفكار المتطرفة في كل مكان، هو تعليم أبنائنا منذ الصغر علم المنطق والسؤال: من أين هذا! يقول: «الحصانة الفكرية هي الحل الوحيد وذلك في تعليم أبنائنا من الصفر علم المنطق والتساؤل، نحن شعوب شبابنا لا يسألون، تطرح عليهم المعلومة ويأخذونها مباشرة لا يسألون من أين ولماذا، ولا يفلتر المعلومة، عليه يجب وضع آليات تجعل شبابنا يقولون لمن يطرح عليهم أي أطروحة من أين هذا ولماذا!».

ووجه الملا رسالة للشباب الذين أصبحوا ضحية لأصحاب الأطماع ممن وجهوهم لمناطق الصراع، قائلا: «لا تخجلوا من قضية معينة، عندما غرر بكم لم يغرر بكم من مروج مخدرات أو مروج فاحشة، بل باسم الله، وذلك بسبب صدق نيتكم والعاطفة الدينية ومسمى النصرة الفضفاض، لذلك لا تخجلوا من أنفسكم بل اخجلوا مما فعلتم، ويجب أن تعلموا أن كلمة مغرر به ليست عيبا هناك من غرر به وهو أكاديمي، ومثقف ومتعلم، ولا تستحي من التغيير لأنه منقبة وليس مذمة، وسنة الله التغيير».&

&