مصطفى العبيدي

رحل عام 2016 مع كل ما حمله من نكبات وآلام ومعاناة للعراقيين، وجاء عام 2017 مع ما يحمله من آمال وتمنيات ان يكون أحسن من سابقه، وسط مخاوف جدية من تداعيات مرحلة ما بعد الانتهاء من تنظيم «الدولة» الأرهابي، بكل ما شكله من تراجع وانتهاك فظيع لأوضاع العراقيين عموما، والمناطق التي هيمن عليها التنظيم خصوصا.

وودع العراقيون عام 2016 وهم يتابعون بقلق، الانهيار الأمني والاقتصادي والاجتماعي والمماحكات والتهديدات والتنافس الشديد بين القوى السياسية المتسيدة للمشهد العراقي منذ 2003 والتي تصر على التمسك بسياسة الاستفراد بالسلطة ومنافعها والسعي لالغاء الآخر، وإدخال الشعب العراقي كله في نفق مظلم من الخداع تحت الغطاء الطائفي والعنصري، لالهائه عن وعود الإصلاح وتجاوز الاخفاقات التي تزداد يوما بعد يوم، في توجه، يبدو مقصودا وباصرار، على شغل الشعب بأزمات متواصلة.
وتدور هذه الأيام رحى حملة حراك سياسي لترويج مشروع «التسوية التاريخية» الذي طرحه التحالف الوطني الشيعي على الكتل السنية والكردية السياسية، كبرنامج عمل لمرحلة ما بعد تنظيم «الدولة» وباسلوب فرض الرؤية والواقع والأغلبية العددية البرلمانية، وعبر الاستعانة بالضغوط الإقليمية والدولية ضد المعارضين أو المتحفظين على المشروع ونهج العملية السياسية الحالية. وضمن هذا الإطار عقد قادة من التحالف الوطني واتحاد القوى أول اجتماع مشترك لتدارس سبل تقليل نقاط الخلافات وتوفير الضمانات التي تشجع الآخرين على الانخراط في المشروع، حيث صرح رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم ان المشروع لا يلغي الآخر ويمنع قيام الحرب الأهلية أو تقسيم البلد، حسب قوله.
إلا ان صف المعارضين ما زال قويا ومتمسكا بموقفه في ضرورة توفير الضمانات، عندما صرح نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي «اننا لا نريد ان نخدع مرة أخرى بعد سبع مرات تم خداعنا بها من قبل التحالف الوطني» مشيرا إلى ان ممثلي السنة، أبلغوا الملك الأردني عند اللقاء به حول التسوية ان الشارع السني ما زال متخوفا من وعود التحالف الشيعي التي لم يلتزم بها سابقا. كذلك أبدى نائب رئيس الجمهورية اياد علاوي عدم فهمه لمشروع التسوية وتأكيده انه ليس مشروع مصالحة وطنية، ومشككا بامكانية نجاحه وتحقيق أهداف الشعب العراقي. 
ومن جانب آخر، وضمن محاولات تهيئة الساحة للانتخابات المقبلة، تجري حاليا اتصالات وحراك لتشكيل تحالفات سياسية جديدة لا تختلف في مضمونها والوجوه التي تروج لها، عن طبيعة العملية السياسية الحالية التي اعترف الجميع بمن فيهم القوى السياسية الكبيرة بفشلها في إدارة البلد. وجاء أبرز تحرك سياسي عبر قيام السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري بزيارة إلى المنطقة الخضراء ولقاءه برئيس الحكومة حيدر العبادي، منهيا فترة خلافات أصر خلالها الصدر على تغيير كامل حكومة العبادي لفشلها في إدارة البلد ومحاربة حيتان الفساد، وقام اتباع الصدر خلال التظاهرات الاحتجاجية آنذاك، باقتحام مبنى مجلس الوزراء. 
وفي إطار التدهور الأمني وتصاعد ظاهرة الخطف للأفراد وتنامي قدرات الجماعات المسلحة والجريمة المنظمة، تبادلت الحكومة والبرلمان الاتهامات بالمسؤولية عن الفشل في مواجهة الظاهرة، حيث اتهم رئيس الحكومة حيدر العبادي البرلمان بالمسؤولية عن تفشي الخطف من خلال إضافة فقرة تشمل مرتكبي الخطف بالعفو العام، بينما اتهم البرلمان العبادي بتأخير ترشيح وزيري الدفاع والداخلية الشاغرين منذ أشهر، والذي أثر على الوضع الأمني.
وعسكريا، وبعد اتهامات للحكومة بالجمود في معركة تحرير الموصل من يد تنظيم «الدولة» أعلنت القوات العراقية بدء المرحلة الثانية من معركة تحرير الساحل الأيسر من الموصل الذي سبق تحرير معظم أحيائه منذ انطلاق عملية تحرير الموصل في 17/10/2016. ورغم ان الهجوم بدأ سريعا في انتزاع قرى ونواحي ومناطق من يد التنظيم، إلا ان معوقات واجهت هذا التقدم عند الوصول إلى الأحياء المكتضة بالسكان، وذلك بسبب اسلوب التنظيم في الزج بمئات العجلات المفخخة ضد القوات المهاجمة إضافة إلى زرع الألغام في الشوارع والمباني ونشر القناصة واستخدام المدنيين دروعا بشرية، مما أسفر عن خسائر مادية وبشرية أجبرت القوات العراقية على التوقف المؤقت وتغيير خطط المعركة.
وفي إقليم كردستان، كما في بغداد، انتهى عام 2016 بانطباع لدى سكان الإقليم، بصعوبة تجاوز الأحزاب الكردية الرئيسية خلافاتها والاتفاق على مواقف متقاربة من أجل حلحلة أزمات الإقليم وحل مشاكل المواطنين الذين يواجهون وضعا معاشيا مزريا، ويتحملون وزر الخلافات السياسية سواء بين الأحزاب الكردية أو بين بغداد وأاربيل. وقد أدى اصرار الأحزاب على مواقفها، وتأثير الضغوط الداخلية والإقليمية، إلى انقسام الأحزاب إلى مجموعتي اربيل والسليمانية وسط مخاوف وتحذيرات من الوصول إلى مرحــلة الإدارتين للإقــليـــم، وعزز هذه المخاوف انقـــســام المــوقــف الكردي في التعامل مع العديد من القضـــايا منها الــعـــلاقة مع بغــداد وملف نفط الإقليم وتصديره ودول الجوار وقضية تواجد حزب العمال التركي في الإقليم وغيرها من القضايا الحساسة.
ولا تترك مواقف القوى السياسية وتمسكها بنهجها في إدارة البلد دون تغيير، وعدم القدرة على فتح آفاق حقيقية للاصلاح ومحاربة الفساد أو السماح لقوى سياسية جديدة في التواجد على الساحة، إضافة إلى مطامع البلدان الخارجية، آمالا واسعة، في ان يكون عام 2017 أفضل من سابقيه منذ 2003 وبالتالي فلا سبيل أمام العراقيين إلا الدعاء إلى الله بالرحمة والرفق بالعباد.