الياس حرفوش

لم يسبق، في تاريخ الولايات المتحدة، أن شككت أجهزة الاستخبارات الأميركية، المسؤولة عن أمن البلاد ومصالحها، في صلاحية رئيس منتخب لحماية هذا الأمن والدفاع عن هذه المصالح.

هذا باختصار ما يمكن أن نفهمه، وما يفترض أن يكون قد فهمه الأميركيون، من تقرير أجهزة استخباراتهم بشأن الرجل الذي سيحكمهم، ويمكن القول إنه سيحكم العالم معهم، بعد أقل من أسبوعين. التقرير يستنتج من المعلومات السرية التي حصل عليها مخبروه، أن دونالد ترامب كان مرشح فلاديمير بوتين للرئاسة الأميركية، وسيكون بالتالي ممثّل بوتين في البيت الأبيض.

لا يشك التقرير في أن الجهة الروسية التي قامت بالقرصنة المعلوماتية على حسابات البريد الإلكتروني للحزب الديموقراطي خلال الحملة الرئاسية، تلقت الأوامر من أعلى الهرم في الكرملين، أي من بوتين شخصياً. أما لماذا يفعل الرئيس الروسي ذلك؟ يجيب التقرير أن هدف بوتين كان تشويه سمعة هيلاري كلينتون والتأثير على احتمال توليها السلطة. فهو غاضب منها بسبب انتقاداتها لسياساته الداخلية وموقفها الحاد ضد ضم شبه جزيرة القرم.

أما تفضيل بوتين ترامب رئيساً، فسببه إعلان المرشح الجمهوري التزام العمل مع روسيا وإعجابه بشخصية الرئيس الروسي. ولبوتين تجارب ناجحة في العمل مع زعماء غربيين تدفعهم مصالحهم التجارية كرجال أعمال ليكونوا أكثر ميلاً للعمل مع روسيا، مثل رئيس الحكومة الإيطالية السابق سيلفيو برلوسكوني والمستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر. أي أن بوتين يعرف أن هناك قادة في الغرب على استعداد للتضحية بمصالح بلادهم في سبيل مصالحهم الشخصية أو «البيزنسية»، ومن بين هؤلاء دونالد ترامب.

أقل ما يعنيه هذا الاستنتاج أن كل قرار سيتخذه ترامب في مجال السياسة الخارجية، وعلى الأخص ما يتصل بالعلاقات مع روسيا، سيكون موضع تساؤل وتكهنات عما إذا كان قراره محابياً لمصالح روسيا على حساب المصالح الأميركية، التي يفترض أن يعمل الرئيس الأميركي لخدمتها.

يزيد من دوافع هذه التساؤلات اختيار ترامب وزيراً للخارجية هو ريكس تيليرسون، الذي تربطه صداقة عميقة مع الرئيس الروسي عززتها الصفقات التي عقدتها شركة «أكسون موبيل» التي كان رئيساً لمجلس إدارتها مع شركة «روزنفط» الروسية العملاقة في مجال النفط.

بالطبع، لم يكن منتظراً أن يرحب ترامب بنتائج التقرير الذي توصلت إليه أجهزة الاستخبارات. لذلك بذل جهده لتشويه صورتها. ما قاله ترامب عن هذه الأجهزة لا يختلف عما يكرره منتقدوها وخصوم الولايات المتحدة، من أنها غالباً ما تخطئ وتتحامل في تقاريرها. وبصرف النظر عن صحة هذه الانتقادات، فإن المستغرب والذي لا سابق له أن تأتي هذه الشكوك على لسان الرئيس الذي سيعتمد على أجهزة الاستخبارات في اتخاذ قراراته ورسم سياساته الخارجية. يضاف إلى ذلك أن مواقف ترامب الإيجابية من الرئيس الروسي لم تدع مجالاً للشك في صحة التقارير الاستخبارية عن تفضيل موسكو أن يكون هو رئيساً بدلاً من كلينتون. فقد اعتبر ترامب أن بوتين تصرف بحكمة عندما لم يرد على قرار الرئيس أوباما طرد 35 دبلوماسياً روسياً رداً على التدخل الروسي في الحملة الانتخابية. وحتى بعد التقرير المفصل الذي عرضه عليه مسؤولو الاستخبارات لم يتردد ترامب في إلقاء اللوم على الحزب الديموقراطي نفسه، لأنه لم يتخذ الإجراءات الكافية لحماية حساباته الإلكترونية. أي أنه بدل اتهام السارق، حمّل أصحاب البيت مسؤولية السرقة، لأنهم لم يحموا بيتهم بشكل كاف!

يبقى السؤال الأكثر أهمية عما إذا كان التدخل الروسي قد سهّل فوز ترامب على حساب كلينتون. في رده على تقرير الاستخبارات كان هذا السؤال هو الشاغل الرئيسي للرئيس المنتخب. فقد أسرع إلى تأكيد ان أعمال القرصنة لم تؤثر في نتائج الانتخاب، وهو ما فعله أيضاً معظم المسؤولين في الحزب الجمهوري، مثل بول رايان رئيس مجلس النواب الذي، وعلى رغم اتهامه روسيا بمحاولة التدخل في العملية الانتخابية، شدد على عدم استغلال هذا التقرير لمحاولة نزع الشرعية عن فوز ترامب.

شرعية الرئيس ترامب ستبقى علامة استفهام طوال السنوات الأربع من ولايته، فالدور الذي لعبه بوتين لتسهيل انتخابه يضاف الآن إلى الشكوك الكبيرة في صلاحيته أصلاً لهذا المنصب.