ناصر الحزيمي

جماعة الإخوان المسلمين قد طرحت إعلاميا إقامة الدولة الاسلامية، وأصبح ذلك شعارا لها مثل مقولتهم "الإسلام هو الحل" ومقولتهم "المستقبل لهذا الدين"... إلى غير ذلك. إلا أنهم لم يقولوا لنا ما هي هذه الدولة الإسلامية؟ وكيف يكون دستورها؟ وما هو موقفهم من الحريات والأقليات والآخر؟

مما لاحظته في أدبيات جماعات الإسلام السياسي أن فكرتهم عن الدولة الإسلامية بشكل عام هي مجرد شعارات مقولبة، لا تمثل حقيقة روح الإسلام وخطابه؛ وإنما تمثل مفاهيمهم ومشاريعهم المؤجلة، فالجماعة السلفية المحتسبة مثلا لم يكن عندها أي تصور للدولة المنشودة، ولم يذكر في جميع أدبياتهم ذكر للدولة الإسلامية ما عدا ذكرهم في رسالة جهيمان العتيبي الأخيرة، والتي تحمل عنوان (دعوة الإخوان كيف بدأت وإلى أين تسير) وهي رسالة قصيرة جدا محدودة الانتشار وطبعا يقصد جهيمان هنا بالإخوان الجماعة السلفية المحتسبة، وحينما ذكر الدولة المنشودة كان يقصد بالدولة التي سيقيمها الإمام المهدي، وهي دولة ذهنية ليس لها علاقة بواقعنا المعاصر. فتصور الدولة ونظام الدولة ومجتمع الدولة إلى غير ذلك هو قاصر في خطابهم عموما. أما جماعة التبليغ وهي جماعة وعظية فيها كثير من النفس الصوفي فلم أستطع أن أتوصل إلى أدبيات عندهم تطرح مفهوم الدولة الإسلامية؛ وذلك لأنهم يرون أن سبيل الدعاة هو هداية الناس إلى تعاليم الإسلام بعيدا عن شعارات إقامة الدولة الإسلامية.

وأنا أستثني هذه الجماعة من مفهومي عن جماعات الإسلام السياسي. وإن كان هذا الغياب بمفهوم الدولة الإسلامية تسبب في تسرب عناصر وكوادر كثيرة من المنتمين لهم لصالح جماعات الإسلام السياسي. والغريب هنا أننا لم نجد عكس ذلك! أن يتسرب إليهم عناصر من الجماعات السلفية أو من جماعة الإخوان المسلمين. وبقي عندنا هنا الجماعة التي أخذت على عاتقها مفهوم الدولة الإسلامية وأعني جماعة الإخوان المسلمين وما نتج عنها كجماعات الجهاد والجماعة الإسلامية فهذه الجماعة أي جماعة الإخوان المسلمين قد طرحت إعلاميا إقامة الدولة الاسلامية، وأصبح ذلك شعارا لها مثل مقولتهم "الإسلام هو الحل" ومقولتهم "المستقبل لهذا الدين"... إلى غير ذلك. إلا أنهم لم يقولوا لنا ما هي هذه الدولة الإسلامية؟ وكيف يكون دستورها؟ وما هو موقفهم من الحريات والأقليات والآخر؟ فهذه المسائل لم تحسم عندهم منذ تأسيس هذه الجماعة في الثالث من القرن الماضي. وجل ما يقومون به هو رفع الشعارات وترديدها من غير أن يكون لهم موقف رسمي يمثل وجهة نظر هذه الجماعة مما وضعهم في دائرة الريبة والشك والمساءلة من قبل عناصر تسللوا منها لهذه الأسباب فالجماعة الاسلامية وجماعة الجهاد جل كوادرهم وعناصرهم هم من جماعة الإخوان المسلمين؛ وذلك لأنهم لم يجيبوا على هذا السؤال وهو كيف ستكون الدولة الإسلامية وما هو موقفهم من الحريات والأقليات حال قيام هذه الدولة؟

فهذه الأسئلة وعدم الإجابة عليها بوضوح وشفافية أدى إلى تصعيد الشقاق بينهم وبين بعض روافدهم مثل جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية وغيرها ممن انتهجت طريق العنف مسلكا لتحقيق مآربهم المتخلفة. بل وصلت درجة الشقاق بينهم وبين جماعة الإخوان المسلمين إلى مستوى الردود والملاسنات المكتوبة فجماعة الإخوان المسلمين أصبح لها تاريخ وخبرة في الانتهازية السياسية والتعالي على مرحلة المراجعات الفكرية والعملية وإلا فما الذي يجعل مرشد الجماعة في وقت ما يقول في لقاء معه: "الإخوان لا يعتذرون ولا يتراجعون" فهذا الكلام يشعرك بمدى الدكتاتورية التي يعيشها هذا التنظيم وأنا أستغرب هنا لماذا لم تستفد هذه الجماعة من تجارب الأحزاب السياسية التي سبقتهم أو عاصرتهم ثم تلاشت وذابت لعدم المراجعات الفكرية بل إن هذه الجماعة قد اكتفت برفع الشعارات التي تدغدغ أحاسيس بعض السذج فمثلا رفع شعار الإسلام هو الحل لا يعبر أبدا عن حقيقة الأمر فتكراره وترديده فرغه من مضامينه الفكرية والإنسانية. إن عدم حسم هذه الأمور لا شك أنه يصنع نوعا من المسلك الشعاراتي غير الحقيقي إن الإسلام دين عظيم، ولو أنهم حاولوا أن يبدلوا الجهد الحقيقي والمخلص في دراسته وتمعنه لخرجوا من المآزق الراهنة التي أوقعوا أنفسهم فيها.

فنحن في هذا الوقت نحتاج إلى إسلام حداثي فيه الكثير من الروحانية والورع والتقوى لا إسلام يمليه علينا المتهورون والأفاقون والمرتزقة إن الإسلام منذ قيامه وحتى هذه الساعة استمر إشعاعه من خلال روحه الحداثية وخطابه المتسامح ودعوته إلى العدالة الاجتماعية وهذه الأشياء هي التي يحاول أن يحرمنا منها جماعات الإسلام السياسي.

ولعل البعض هنا سوف يستغرب أنني لم أتحدث عن جماعة التحرير الإسلامي وذلك لأن هذه الجماعة جماعة حزب التحرير قد حسمت أمرها مبكرا، فأصدرت دستور الدولة الإسلامية المتخيلة عندهم وقالوا للناس مبكرا إننا نحرم الديموقراطية والانتختبات النيابية. هذه المسألة بالذات تسببت في تسرب كوادر عريضة من الجماعة يضاف إلى ذلك أنها عطلت جميع النشاطات الخدمية للمجتمع بحيث إنها لا تقدم أي خدمة باسم الجماعة للمجتمع؛ وذلك بسبب أنها ترى أن هذه الأشياء مرتبطة ارتباطا كليا بقيام الدولة أما قبل ذلك يطلقون عيها المرحلة المكية وهي المرحلة التي عاش فيها الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة يدعو فيها إلى الإسلام

وهذه المرحلة هي التي يعيشها حزب التحرير في هذا الوقت وعليه فإنهم يرون خدمة المجتمع والجهاد وحتى صلاة الجماعة أمرا مؤجلا حتى مجيء مرحلة التمكين أي مرحلة قيام الدولة الإسلامية ومما زاد الطين بلة أن هذه الجماعة وقيادتها قد مارست دور الغطرسة الفكرية والسياسية وقد أتناول هذه الجماعة بالقراءة المتأنية لبعض كتبهم التي صدرت مبكرا وأفكارهم.