أشرف محمود

لاندرى ما الذى يريده الدكتور يوسف زيدان بالضبط من تعرضه لرموز الأمة ؟، فالرجل يخرج علينا بين الحين والآخر عبر نافذة بعينها، ليهيل التراب على كل مادونه التاريخ الذى درسته الاجيال من بطولات لشخصيات وطنية يحمل لها العامة قبل النخبة تقديرا وتوقيرا كبيرين. 

فما أن هدأت عاصفة الإساءة الى الرمز العربى الاكبر والبطل المغوار صلاح الدين الايوبى, والتى ثارت عقب تعرض الدكتور زيدان، لبطل حطين والتشكيك فى قدراته والتقليل من بطولته وانتصاره الذى استرد به بيت المقدس، دون أن يقدم دليلا تاريخيا محايدا على أقواله التى اعتمدت على آراء المستشرقين وهم بالتأكيد لن ينصفوا صلاح الدين الذى كسر جيوش الصليبيين وطردهم من القدس وحرر الاقصى، وقتها ظن البعض ــ وأنا منهم ــ إنه ربما خان التوفيق الدكتور زيدان فى تناوله لسيرة البطل صلاح الدين, وربما يعود لنفسه ويعيد طرح الأمر بعدما استمع لآراء منتقديه، لكن الرجل عاد ليكرر هبته التى تشبه رياح الخماسين، وراح يشوه ويسفه من دور وطنى لأحد رموز مصر الكبار الذى دون التاريخ بطولته وشبت أجيال وأجيال عليها من خلال دراستها فى المدارس، فتأكد للجميع أن ماكان مع صلاح الدين ليس لبسا أو غير مقصود او قراءة جانبها التوفيق، وانما هى حالة من الإصرار والترصد لدى الدكتور زيدان ضد رموز الأمة, فالبطل أحمد عرابى قائد الثورة العرابية التى يحسب لها الوقوف فى وجه الخديو توفيق والجهر لأول مرة فى التاريخ الحديث بمطالب المصريين، والتى لاتزال صدى كلمات عرابى له تتردد بكل فخر حتى الآن (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، فوالله الذى لا إله إلا هو أننا لن نستعبد أو نورث بعد اليوم) لتتعدد الأسئلة الباحثة عن الأسباب وراء تلك الحملة التى بدت ممنهجة وتهدف الى تشويه التاريخ الوطنى ورجالاته، وبدا واضحا أن الأمر لن يقتصر على البطلين صلاح الدين وعرابى وانما هناك قائمة تتضمن أسماء أخرى سيأتى عليها الدور تباعا، طالما وجد زيدان المنبر الذى يتخذه مطية لتحقيق أغراضه، ولايجد من يوقفه عند حده، ليعلم أن تاريخ الامم والشعوب ليس لعبة بيد أحد، وأن التأريخ علم له أصوله وقواعده، وليس كل من قرأ بضعة كتب عن حدث ما بات مؤرخا ويستطيع أن يحكم عليه، وتناسى زيدان أن لكل حقبة تاريخية ظروفها وملابساتها ولا يمكن الحكم عليها بقواعد الحاضر وأدواته، فمعروف أن زيدان الذى سيكمل عامه الستين فى العام المقبل لم يعش تلك الحقبة، كما أنه لم يتخصص فى دراستها، وانما تعرف عليها من خلال كتب ومذكرات قرأها ولايمكن الاستناد إلى أن ما قرأه وصادف هوى فى نفسه, هو الصواب وحده دون غيره، فحسب معلوماتى لم يكن الدكتور زيدان يوما مؤرخا أو مهتما بالتأريخ، فهو استاذ فى الفلسفة وحصل على درجتى الماجستير والدكتوراه فى فى الفكر الصوفى، ومعظم كتبه عن التصوف والصوفية وفهرسة المخطوطات وله نتاج أدبى متميز تمثل فى روايات عديدة ترجمت لعدة لغات فى مقدمتها عزازيل وظل الأفعى والنبطى ومحال، لكن إبداعاته وعمله لم يشمل التاريخ الذى له أصوله وعلماؤه الذين استنكروا عليه فعلته بحق رموز الأمة سواء صلاح الدين أو عرابى، وانبرى له كثيرون من علماء التاريخ المشهود لهم بالدقة والخبرة والموضوعية وفى مقدمتهم أستاذ الأجيال الدكتور عاصم الدسوقى الذى استنكر تجرؤ زيدان على رموز الأمة أصحاب التاريخ الناصع الذى يشهد له العدو قبل الصديق، ووصف الدكتور الدسوقى تشويه الرموز والتاريخ بالخيانة، وطالب غير المتخصصين بالابتعاد عنه، وأيده الدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس الذى أكد وطنية عرابى وحدوث الحوار التاريخى مع الخديو، وأعلن عن تحديه زيدان فى مناظرة علنية ليقوم شباب الباحثين فى التاريخ بالرد عليه قبل الأساتذة وبالمستندات، وكان رائعا اعلان عمر حمروش أمين سر لجنة الشئون الدينية بالبرلمان عزمه التقدم بمشروع قانون يجرم الإساءة للرموز الوطنية، وكم نتمنى أن يتضمن مشروع القانون معاقبة القنوات التى تتيح الفرصة لمن يشوه الرموز، فلم يعد فى قوس الصبر منزع تجاه محاولات التشويه الدائمة والمتعمدة التى يقدم عليها البعض بجرأة يحسدون عليها فى ظل غض الطرف عنهم وعدم مساءلتهم قانونا أو الاعتراض رسميا على مايقولون، ولو كان حدث هذا من قبل لما عاود زيدان سيرته فى التشويه والتى تجاوزت بطولات البشر الى التشكيك فى معراج النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك مكان المسجد الاقصى الذى أنكر وجوده فى القدس، وكل هذا يصب فى مصلحة اعداء الأمة الذين رحبوا بمقولات زيدان فهل يرضيه هذا؟ وهل يستمر الصمت على تشويه الرموز فلايجدون من يحميهم؟!