يوسف المحيميد

لم أزر بغداد قط، مع أنني زرت البصرة ذات طفولة، لكن بغداد لمن عرفها في الثمانينات تختلف عن غيرها من المدن، حينما كان الشعراء العرب يرتادونها كل عام، مشاركين في مهرجان المربد، حيث تمثل بوابتنا الشرقية زمن حرب السنوات الثمانية مع إيران.

كانت علاقتي ببغداد، مثل غيري، علاقة إعلامية وصفية من خلال ما تبثه القنوات الفضائية، أو مما قرأت من روايات اتخذت بغداد مكانًا لها، لكنها على الطبيعة مختلفة تمامًا، عاصمة عربية عريقة تنام في أعماق التاريخ العربي الإسلامي، شوارعها، ميادينها، تماثيلها، حاراتها، ناسها، أنفاسها، كل شيء فيها عربي بامتياز، ولا يمكن أن تكون إلا كذلك، كل شيء فيها ضارب في أعماق التاريخ القديم.

أن تهبط طائرة سعودية، أو الطائر الأخضر كما يسمي الأشقاء العراقيون طائراتنا، ولأول مرة بعد سبعة وعشرين عامًا من الغياب، فهذا حدث كبير ومهم، ويثير مشاعر متضاربة بين السعادة والحزن، سعادة أن نعود مجدداً إلى أهلنا في العراق، ويستقبلوننا بكل هذه الحفاوة، وحزن لكل هذا الغياب الطويل، وهو ما لاحظته في الاستقبال الكبير من الأشقاء العراقيين، وسعادتهم الكبيرة بنا، فالقنوات العراقية تلتقط أي ضيف منا، وتسأله عن شعوره، بينما الشعور الواضح والمبهج يمكن أن نلمحه في عيني المذيع وحامل الكاميرا، والسعادة تطفر منهما.

ولعل الأهم هو أن تعود العراق إلى بيتها العربي الكبير، إلى أشقائها، وما مشاركة المملكة في معرض بغداد الدولي بجناح ضخم يضم نحو ستين جهة وشركة سعودية، كثاني أكبر جناح بعد العراق، إلا دليل أكيد على رغبة القيادتين السعودية والعراقية لتقوية العلاقات بين البلدين، وحرص القطاع الخاص والصادرات السعودية على التواجد في عراقنا الحبيب، ولعل إنشاء مجلس التنسيق السعودي العراقي الذي تستضيفه الرياض هذه الأيام، هو ما يؤكد هذه الرغبة الصادقة، ويؤسس لعلاقة سياسية اقتصادية، أمنية، تنموية عميقة بين البلدين العربيين الشقيقين، وهو ما سيزيد - بإذن الله - من حجم التبادل التجاري بينهما، ويوفر فرصاً استثمارية في مختلف المجالات، التجارية والصناعية والزراعية، وسيسهم في تسهيل هذا التبادل التجاري، ويشجع على الاستثمار بينهما، وتعود الرياض وبغداد من جديد إلى بلدين متكاملين ومتناغمين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.