خالد العضاض

يقود الإصلاح الديني، إلى إعادة البناء الداخلي للتصورات والمفاهيم، وتفعيل آلية الاجتهاد، وخلق التصورات الصحيحة

إن انقياد الإصلاح الديني ليواكب العصر، والحضارة ومنتجاتها، من الأفكار والقيم، هو الأساس الذي ينبغي أن يبنى عليه، حيث إن الإصلاح الديني في جوهره وفلسفته الأعمق يتمحور حول كيفية إيجاد السبل لغرس قيم الحضارة في مجتمع مسلم، يتعاطى بحرية مع الاقتصاد والسياسة والمعرفة بلا وجل أو خوف.

ويصعب الحديث عن المحفزات، وتحديد حزمة معينة منها في ظل التغيرات الثقافية المتسارعة التي تشهدها البلد على مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ومحفزات الإصلاح الديني هي: مزيج من الأفكار والظروف التي تحرك المجتمع باتجاه الإصلاح، والتي من أهمها: 

1. البعدان الاقتصادي والتنموي بشقيهما الداخلي والخارجي، حيث إن المتتبع للحراك الفكري والثقافي، يجده قد ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالخطط الاقتصادية والتنموية الخمسية للبلد، بشكل أو بآخر، والتي بدأت في عام 1970، ومع الانتعاش الاقتصادي الذي شهدته السعودية، والرؤية الطموحة (2030)، فإنه من المتوقع حدوث تطور كبير وهائل في الإصلاح الديني الذي يجب أن يواكب توجهات البلد الاقتصادية والتنموية، والذي يروم الاعتماد على الاستثمار الأجنبي كأحد ركائزه، أو بمعنى أدق إعادة الاعتماد على الاستثمار الأجنبي، والذي بدأ في البلد مع بواكير اكتشافات البترول والغاز، وهذا الأمر يحتاج إلى خطاب ديني متسامح يقبل الآخر ويتقبله شريكاً في التنمية.

2. الانفتاح الإعلامي، الذي مرت به المملكة مع بدايات البث الفضائي، أوجد رأيًا مغايرًا لكل الطرح الديني الموجود في البلد، ومكّن من حوار داخلي مقارن بين ما يطرح في البلدان الأخرى من فتاوى متسامحة، وأخرى داخلية متشددة، مما قاد المجتمع بمجموعه إلى التحول نحو مسارات ومساقات أخرى جديدة، مما أسهم وبشكل جيد في التوجه نحو الإصلاح الديني، أو على الأقل مهد الطريق للقبول به، وسيظل هذا العامل محوريًا ومرتكزًا رئيسيا في عملية الإصلاح.

3. تركيز التنويريين في الفترة القادمة على طرح البدائل والحلول الشرعية، وصناعة الدراسات المتقنة الناقدة للخطاب الديني، والقضايا الشرعية التي أخفق فيها التيار الإسلامي بعد المتغيرات الأخيرة، كفيل بنقل عملية الإصلاح الديني إلى مرحلة جديدة متقدمة ومتطورة عن المراحل السابقة.

4. التعليم الحر المواكب للعصر، وإعادة صياغة المناهج الدراسية، وهذا الأمر كفيل بخلق جيل قوي متماه مع عصره، يقبل تحدياته ويتغلب عليها، إذ إن لتطوير وتغيير المناهج الدراسية أثر كبير في تطوير قدرة المجتمع على اللحاق بعجلة التنمية، وتعزيز الرفاه، وله الدور الأكبر في ترقي وتطوير الإصلاح الديني.

ففي مناهج فقيرة تماماً معلوماتياً، تفصل الطالب عن محيطه العالمي والإقليمي، يبلغ السعودي عامه الثامن عشر، وهو يجهل أبسط المعلومات التاريخية أو الجغرافية أو غيرها، ناهيك عن تكريس مواضيع لا تسهم أو تساعد في تنمية الذائقة وروح الجمال في الذهنية السعودية، هذا العامل بقاؤه على ما هو عليه يحيله إلى عائق كبير من عوائق الإصلاح الديني، أما تحريره وتجديده وتطويره فسيكون من أبرز وأكبر عوامل الإصلاح الديني. 

مسألة الإصلاح تعني تعديل الوضع الفقهي الراهن، وهذا يعني أن مسألة الإصلاح الديني لابد أن تمر عبر نقد الموروثات الدينية نفسها أولاً.

السؤال الذي يجب أن يطرح لتحديد إطار متكامل لعملية الإصلاح الديني في بلدنا ومجتمعنا هو: ما نتيجة الإصلاح الديني وإلى أين تقودنا هذه العملية؟

فنقول: إن الإصلاح الديني، يكفل حزمة متكاملة من التحسينات، والتكميليات على حياة الفرد والأمة، أذكر منها:

1. يقود الإصلاح الديني إلى العيش في ظل عدالة اجتماعية متوازنة، وسياسة تكافح الفساد، وتُعنى بتوسيع النمو الاقتصادي، وتعميقه ليتحول إلى تنمية شاملة.

2. يقود الإصلاح الديني، إلى إعادة البناء الداخلي للتصورات والمفاهيم، وتفعيل آلية الاجتهاد، وخلق التصورات الصحيحة، وهو ما يعصم من التطرف والتطرف المضاد.