محمد خروب

ليس من سبب سياسي أو أخلاقي جوهري, يدفع الناطق باسم حركة حماس سامي ابو زهري، كي يُهاجِم وسيلة اعلامية «نجحت» في الحصول على النسخة «الأصلية» من وثيقة جديدة اعتمدتها الحركة, للإعلان عن «مواقفها» الجديدة من القضية الفلسطينية،

بعد ان وصلت الى «قناعات» بأن ميثاقها «القديم» الذي سارت عليه منذ انطلاقتها قبل نحو من ثلاثين عاما، لم يعد قابلاً للتطبيق (في نظرِها بالطبع) وأن الوقت حان لِتتعامل بـ»واقعية» مع مستجدات هذه القضية المعقدة, حيث بدأت تطل برأسها عمليات (وليس مجرد عملية واحدة) تصفيتها بأساليب ومقاربات عديدة, تتّخذ اشكالا مختلفة وتتخفّى خلف شعارات برّاقة, تغرف من معين «الواقعية» تقول: ان اسرائيل حقيقة قائمة وقوية تصعب هزيمتها, وغيرها مما يَتفنّن اليائسون والمشبوهون في «اجتراح»المبرّرات والذرائع, كي يقنعوا الفلسطينيين (وفيهم مَن يروج لهذه الطروحات) بان «إنقاذ ما يُمكن إنقاذه» هو الوطنية بعينها، وإلاّ فإن عدم وجود «اي شيء» للتفاوض عليه.. بات امرا ماثلا, لا يعدو كونه مسألة وقت.. ليس إلاّ، حيث وحش الاستيطان اليهودي سيبتلع ما تبقّى من اراض فلسطينية معزولة, سواء في مناطق «أ» ام تلك المصنفة «ب» وخصوصا ذات الحجم الاكبر (ج أو C) التي يُركز اليمين الصهيوني أعينه عليها, بهدف «ضَمِّها» كونها تُشكّل اكثر من 60% من مساحة الضفة, ولا يُمانِع قادته من منح «الجنسية» الاسرائيلية لسكان تلك المنطقة, الذين وإن وصل عددهم الى مائة ألف فلسطيني، فانهم لا يُغيرون كثيرا في الميزان الديموغرافي المائل بشدة... لليهود.

الناطق باسم حماس اعتبر طريقة حصول قناة الميادين على نسخة من وثيقتها الجديدة بانه «غير لائقة»، وهي عادة طالما احتكرتها حركة حماس, في مسعى لإضفاء «خصوصية» على نفسها واحتكار الكثير من الصفات التي تُنكرها على الآخرين,كالوطنية والمقاومة والحرص على حقوق الشعب الفلسطيني وغيرها مما تَبْرع فيه الحركة, التي باتت الآن امام خيارات صعبة بعد ان ظنّت انها تتمتع بكل العوالم وان الأجواء الاقليمية (وربما الدولية على ما حاول احمد يوسف احد مُنظّريها واكثرهم ذكاءً.. الذهاب اليه) باتت ملائِمة للخروج من عزلتها وفك ارتباطها بالتنظيم المصري الأم(او الدولي) فضلا عن هدفها الرئيس وهو السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية للاستفادة من مكانتها وحضورها الدوليين وإبعاد منافستها الرئيسية (فتح) عن قيادتها او اقتسام «الكعكة» معها, ولا يهم لديها بعد ذلك إن تخلّت عن ميثاقها او جمّدته او خرجت على الناس بوثيقة جديدة, تقول فيها كل شيء لكنها لا تقول شيئا في واقع الحال، كونها تقول الشيء ونقيضه حتى في وثيقتها «الجديدة»،حيث تُعلِن فيها قبولها بدولة «فلسطينية مستقلة، كاملة السيادة ضمن حدود العام 1967»، وترى في الصيغة الجديدة «صيغة توافقية وطنية مشتركة»، ما يعني في قراءة مباشرة,إقرارها بصحة ما كانت – وما تزال – حركة فتح,التي تُحكم قبضتها على منظمة التحرير وتوجهاتها.. تقوله وتنادي به، بصرف النظر عمّا اذا كانت»حماس» تعنيه كحد ادنى غير قابل للتفاوض او النقاش او المساومة؟ أم مجرد شعار يُرفَع لاستدراج العروض والمناقصات الدولية والإقليمية التي تجد لنفسها – هذه الايام – ارضا خصبة، بعد ان تغيّرت العناوين والأولويات»القومية» وبات المؤتمر الإقليمي – واستطرادا الحل الاقليمي – يحتل صدارة جدول الاعمال في المنطقة وعبر المحيطات..أم لا؟.

ليس القصد هو دفع حركة حماس الى التسليم بمنطق فتح ومنظمة التحرير وخطابهما السياسي الراهن، بقدر ما هي محاولة للكشف عن التناقض في خطاب حماس ذاته,عندما تقول انها تقبل بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، ثم تزعم في الوثيقة ذاتها، بعد ان تُعرِّف نفسها بانها «حركة تحرّر ومقاومة وطنية اسلامية... هدفها تحرير فلسطين»انها (حماس) ترفض اي بديل عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً من نهرها الى بحرها» وترفض جميع الاتفاقات والمبادرات ومشاريع التسوية الرامية الى «تصفية القضية الفلسطينية او الإنتقاص من حقوق شعبنا الفلسطيني»...حيرّتمونا فعلاً, او انكم تريدون إلغاء عقولنا واعتبارنا مجرد «مُستهلكين»سذّجاً لشعارات تُدغدغ عواطفنا, اما في الغرف السِرّية وما تحت الطاولات، فإنكم تبيتون اشياء اخرى. وإلاّ كيف لعاقل ان يُصدِّق بان «الواقعية» التي دفعتكم للتخلي عن «ميثاقكم» السابق (فعلت فتح ذلك بميثاق منظمة التحرير ايضا) والقبول بدولة مع حدود 1967، لا تعني توقيع اتفاق «سلام» مع الدولة الصهيونية, وما يترتب على ذلك «التوقيع»من استحقاقات, لعل في مقدمتها كما يُصرّ على ذلك قادة العدو الإسرائيلي, ومَن حالفهم وساندهم من بلاد الغرب والعرب،...»الإقرار» بانتهاء الصراع وإغلاق ملف المطالب الفلسطينية من اسرائيل, وغيرها من الاشتراطات التي يُتقن العقل اليهودي الاستعماري, إدخالها بين سطور الاتفاقات و»روحها» الحقيقية؟.

قُلتم في ميثاقكم (السابق... كما يجب التذكير): ان معركتنا مع «اليهود» جِد كبيرة وخطيرة, وتحتاج الى جميع الجهود المخلصة، وايضاً «...ان قضية فلسطين هي قضية «دينية». ولم تُغادِروا مربع الإيمان بحتمية هزيمة اليهود, تماما كما كان مصير الصليبيين».. واليوم (وفق الوثيقة المُسرَّبة) تقولون: إننا لا نعادي اليهود بل الحركة الصهيونية ومشروعها، فهل تغيّرت العناوين والمضامين؟، أم أن الظروف الراهنة تستدعي التلاعب المتواصل بالمُفردات والمُصطلحات والأوصاف؟.

الحكمة ضالة المؤمن، والإعتراف بأن تغييرا جذرياً, بمعناه السياسي المُعلَن, قد اخذ طريقه إلى ادبيات ومواثيق وخطاب حماس؟ وهنا ـــ في ما نرى ونحسب ـــ لا حاجة لمزيد من الشعارات التي لا يقصِد اصحابها.. الالتزام بها.