علي سعد الموسى 

في قصة طائرة جدة التي انتظرت بالمدرج والساحة لأكثر من نصف ساعة دون أن تحصل على الإذن بموقف، ودون أن تتواصل معها أي من الإدارات الأرضية المختلفة تكمن شجاعة قائد الطائرة الذي اعتذر للركاب بلغة واضحة ومباشرة وشرح لهم بكل التفاصيل طبيعة ما يحدث.

وعي المسافر في عوالم اليوم جعله يدرك أن ناقلنا الوطني ضحية لهيئة الطيران المدني لأن المسافر بات يدرك أن علاقته بالخطوط السعودية، أو غيرها من الشركات بالسوق المحلي تبدأ بباب الطائرة وتنتهي بمجرد خروجه من هذا الباب. وكل ما عدا ذلك من التفاصيل في سويعات المسافر خارج الطائرة يقع تحت قرار وملكية شركاء آخرين، وكلهم بالطبع تحت مظلة هذه الهيئة. كل المباني والصالات التي تعبرها خلال الرحلة لا علاقة للناقلين بها من قريب أو بعيد، ومع هذا نلقي اللوم على الخطوط السعودية بالتحديد حتى في تفاصيل صغيرة مثل رحلة الباص المزعجة من الصالة إلى الطائرة.
واليوم ازدادت حركة السفر وتزايدت معها أسماء الشركات على شاشة الوصول والمغادرة. لم تعد «السعودية» وحدها في الميدان في منافسة شرسة. لكن كل هذه الأرقام الصاعدة والأسماء الوليدة الجديدة مضطرة للتشغيل تحت غطاء هيئة الطيران المدني التي لم تتحرك من جلبابها الضيق القديم منذ ثلاثين سنة. هي لم تضف في وسط هذا الطوفان الجارف على حركة السفر خلال هذه العقود سوى الصالة الخامسة بمطار الرياض، وللمعلومية المضحكة بإقفال الصالة السابقة، وكل ما في الأمر ليس إلا (5-3)= صفر. الطائرة التي ضاعت في ساحة مطار جدة تركت مثل السمكة الشاردة لأن هيئة الطيران المدني لم تستطع إضافة موقف طائرة جديد وحيد خلال أربعة أجيال متتالية من المسافرين ومن أشكال الطائرات في حركة صناعة السفر. لم يعد المطلب أن نحصل على صالات سفر تحترم الصورة الوطنية التي لم يشوهها شيء مثلما تفعل هذه المطارات، بل تقزمت الآمال بأن تصل الطائرة وأمامها موقف متاح. وللأسف الشديد سيخرج ما لا يقل عن مئتي مسافر من جوف هذه الطائرة كقنابل دعاية سلبية لناقلنا الوطني في قصة لا دخل له فيها بالأصل. حتى في الجدولة وتوزيع أحجام الطائرات على الرحلات تعمل السعودية وفقاً لهذا الجلباب الضيق الذي تفرضه فرمانات هيئة الطيران المدني. وعلى سبيل المثال، الهيئة نفسها هي من يمنع الخطوط السعودية من استعمال طائرات الحجم العريض، ولو من الطراز المتوسط، للهبوط في مطار مهم مثل مطار أبها بحجة أن مدرجه غير قادر على استقبالها. وخذ في المضحك المبكي أن هيئة الطيران المدني تعرف هذه المشكلة «المفتعلة» منذ أكثر من ثلاثين سنة فاكتفت بالمنع دون أن تتقدم لتفعل شيئا. وكل القصة إطالة المدرج لمئتي متر إضافية: وعلى مسؤوليتي نستطيع أن ننجزه «بالقطة» التي نستطيع جمعها بكل سهولة في مسافة رحلة جوية قصيرة.