داود الشريان

عبدالهادي العراقي، القيادي في تنظيم «القاعدة»، والمحتجز في معتقل غوانتانامو، رفض قيام حراس من النساء باقتياده، إلى قاعة المحكمة، وقدّم طلباً لمنحه حق الغياب عن الجلسات، إذا كان الحارس الذي يقتاده إلى الجلسة امرأة من مجنّدات الجيش الأميركي. القاضي اعتبر أن الاستجابة لطلب العراقي سيُنظر إليها باعتبارها تمييزاً ضد النساء. كل فقهاء الإسلام اتفقوا على عدم جواز مصافحة النساء الأجنبيات، استناداً إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إني لا أصافح النساء). لكن عبدالهادي العراقي توقّف عند مصافحة النساء، والتزم بها، وأجاز لنفسه قتل مدنيين من دون ذنب، واحترف ترهيب المجتمعات الآمنة، وزيّن له بعض الفتاوى، الشاذة والغريبة، ممارسة القتل بوحشية.

القاضي الأميركي الذي رفض طلب العراقي باعتباره تمييزاً ضد النساء، وقع في تناقض أخلاقي آخر، وطبّق القوانين الأميركية على سجين معتقل في سجن سيئ السُّمعة، يقع خارج أميركا، ولا تطبّق فيه القوانين الوطنية للولايات المتحدة، ولا حتى القوانين الدولية، ويملك سجّانوه سلطة مطلقة في التعامل مع المحتجزين، ويتنافى نظامه مع كل قوانين حقوق الإنسان في العالم، وتنعدم فيه كل القيم الحضارية والأخلاقية، ويُعامل المعتقلون فيه بقسوة تعتبر سابقة، وتصفه منظمة العفو الدولية بأنه مثال لهمجية هذا العصر.

إن محاسبة العراقي لرفضه مسّ يد امرأة أجنبية عنه، واعتبار ذلك تمييزاً، وتجاهُل أنه عاش لسنوات محروماً من أبسط حقوق الحيوانات، فضلاً عن الأسرى، وتعريضه لأصناف من التعذيب والرعب والإهانة، وإطعامه بطريقة قسرية، وهو مغمض العينين مكبّل اليدين، تدليس في مبادئ العدالة، فضلاً عن أن القاضي الأميركي مارس ازدواجية في المعايير الأخلاقية والقضائية. فمن جهة يبدو مدافعاً عن حقوق المرأة، رافضاً التمييز ضدها، ويحاسِب سجيناً رفض مس يد امرأة أجنبية عنه، ويعتبر ذلك انتهاكاً لمبادئ المساواة بين الرجل والمرأة، وفي المقابل يصمت عن انتهاك حقوق إنسانية أهم وأولى، وينفّذ عدالة مزيفة.

لا شك في أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما كان في لحظة صدق حين قال أن سجن غوانتانامو «يستهجنه العالم ويستغله الإرهابيون في التجنيد». فالظلم الذي مورِس ويُمارَس في هذا المعتقل الرهيب، بات محرِّضاً على انخراط شباب في تنظيمات العنف والإرهاب.

الأكيد أن سجن غوانتانامو بات رمزاً لهمجية تعامُل الحكومة الأميركية مع شعوب ودول بحجّة مكافحة الإرهاب، وهي تدّعي حماية المجتمعات من الإرهابيين، وتجرِّب أكثر الأسلحة فتكاً في إبادة مجتمعات أخرى... تباً للدور الأميركي في محاربة الإرهاب.