&&حسن مدن

تطرح الجهود الحالية لتحقيق تهدئة، على شكل هدنة طويلة الأمد، تمتد لسنوات، قد تكون خمساً حسبما يتم تداوله، بين حركة «حماس» القابضة بزمام الأمور في قطاع غزة و«إسرائيل»، مجموعة من الأسئلة ولكن أهمها سؤالان.


يتصل السؤال الأول بالعلاقة بين الإنساني والسياسي في أمر هذه الهدنة، أو التهدئة، أي: هل المطلوب فقط تهدئة التصعيد الذي يشهده القطاع بين «حماس»، وجماهير القطاع عامة، و«إسرائيل»، وإغفال السبب الرئيسي في هذا التصعيد الناجم عن استمرار الاحتلال والاستيطان الصهيونيين، والحصار المفروض على القطاع بحراً وجواً وأرضاً ؟
لا يمكن لأحد، كائن من كان، أن يقف ضد رفع، أو تخفيف، المعاناة الكبيرة عن سكان القطاع الناجمة عن ذلك، خاصة أن استمرار المواجهة مع «إسرائيل» انطلاقاً من القطاع تكاد تكون استثناء، اليوم، في المشهد الفلسطيني والعربي، وبالتالي فإن أي تدبير يأخذ بعين الاعتبار الجوانب الإنسانية هو محل ترحيب، ولكن هذا لا يمكن أن يكون، خاصة في الحال الغزاوية، والفلسطينية عامة، بمعزل عن الجوانب السياسية.
أي هدنة مهما طالت مدتها لها نهاية، ولو سلمنا، جدلاً، أن الهدنة المقترحة صمدت خمس سنوات كما يراد لها، فماذا بعد ذلك؟ هذا إذا صرفنا النظر عن حقيقة أن «إسرائيل» لن تتوقف عن مواصلة ما تقوم به من توسع في الاستيطان واقتطاع الأراضي والاعتداء على الممتلكات، وهي كلها أسباب كفيلة بإثارة غضب الفلسطينيين، حتى لو التزمت «حماس بالهدنة»، ما يجعل من خرق «إسرائيل» للهدنة لمعاقبة المحتجين سيناريو مكرراً.
ما لا يجب أن ينسى أن الهدنة ليست حاجة فلسطينية فقط، ناجمة عن الرغبة في الحد من المعاناة الإنسانية لسكان القطاع، وإنما هي أيضاً حاجة «إسرائيلية»، فالاحتلال لا يخفي ما تسببه المواجهات في القطاع من متاعب له، خاصة بعد تطور أشكال المقاومة، كظهور البالونات المُلغمة والطائرات الورقية وما إليها، التي توقع خسائر في مستوطناته على الحدود مع غزة.
وبالتالي فإن مدى التزامه بأي هدنة سيتوقف على توقف أشكال المقاومة والاحتجاج، وسيختلق الذرائع لخرقها، لا بل إنهائها، إن استمرت هذه المقاومة.
السؤال الثاني المهم يتصل بمستقبل الوحدة الوطنية الفلسطينية، ودور السلطة الفلسطينية في أي تفاهمات مع «إسرائيل» برعاية دولية وإقليمية، فالهدنة المقترحة تكّرس دور «حماس» ليس فقط بصفتها من يحكم القطاع، وإنما أيضاً بصفتها محاوراً لبلوغ تسويات معه، بمعزل عن السلطة الفلسطينية، وربما دون علمها، أو على الأقل دون إطلاعها على تفاصيله كافة.
في صورة من الصور، تجعل «التفاهمات» حول الهدنة مع حماس مسألة استعادة الوحدة الفلسطينية وإعادة القطاع لإدارة السلطة الفلسطينية أمراً هامشياً، وتعزز لدى «حماس» الميل الانفصالي، طالما أصبحت سلطة أمر واقع، قادرة على إبرام تسويات وبلوغ حلول، بشكل منفرد، ودون العودة إلى السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليا كممثل للشعب الفلسطيني.

&