أدّى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الثلثاء، اليمين الدستورية لولاية جديدة من 6 أعوام، وسط مصاعب اقتصادية في الداخل، وتحدّيات جيوسياسية هائلة على حدود مصر، من الحرب الإسرائيلية على غزة إلى الحرب السودانية وحالة من عدم الاستقرار في ليبيا.

التطورات في الإقليم تُبرز الحاجة الماسّة إلى دور مصر، كونها القادرة على التحدث مع جميع الأطراف، ما يسهل التوصل إلى حلول. وتبقى مصر الشريان الحيوي لأية عملية انسانية على نطاق واسع في غزة، أو في سبيل التوصل إلى هدنة بين إسرائيل وحركة "حماس".

وكانت مصر طرفاً أساسياً في هدنة تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وهي إلى جانب الولايات المتحدة وقطر، تواصل بذل الجهود وتدوير الزوايا، على أمل التوصل إلى هدنة الأسابيع الستة، التي باتت أمراً ملحّاً في ضوء الوضع الإنساني الكارثي ومعاناة أكثر من 70 في المئة من الجوع.

والآن، تتركّز الأنظار على مصر، في ضوء تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باجتياح رفح. مثل هذا الاجتياح سيعني وصول الجيش الإسرائيلي إلى حدود مصر، خلافاً لما كان تمّ الاتفاق عليه مع اسرائيل عام 2005، عندما انسحبت من غزة وجعل بموجبه "محور فيلادلفيا" الخط الفاصل بين مصر والقطاع.

إنّ عملية عسكرية في رفح تنطوي على تهديد كبير لأمن مصر، لأنّ ما من ضمانات على أنّ اسرائيل لن تدفع بأكثر من 1.4 مليون فلسطيني بين نازحين ومقيمين فيها منذ ما قبل الحرب، إلى هجرة قسرية نحو شبه جزيرة سيناء. ويزداد هذا الاحتمال مع رفض بنيامين نتنياهو إعادة النازحين في رفح إلى المناطق التي نزحوا منها في الشمال، بأوامر اسرائيلية منذ بدء الحرب قبل 6 أشهر.

وأي دفع للفلسطينيين نحو سيناء سينعكس على العلاقات المصرية-الإسرائيلية التي تنظّمها معاهدة كامب ديفيد منذ 1979، وستكون أول تغيير جيوسياسي كبير في المنطقة منذ عقود.

وتكافح مصر أصلاً لتأمين 500 ألف لاجئ سوداني فرّوا من الحرب التي اندلعت قبل نحو عام بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي". وعلى رغم الاتصالات التي أجرتها مصر مع دول إقليمية أخرى، لا تلوح أي بادرة أمل في الأفق بوقف قريب لهذه الحرب، التي ما فتئت تشتد وتتوسع وتزيد من تأثيراتها الكارثية على الصعد السياسية والاجتماعية في السودان وحوله.

ونظراً إلى الجغرافيا السياسية التي تتحكّم بعلاقة مصر بالسودان وبالعكس، فإنّ لا حل سودانياً بمعزل عن مصر، والأمر نفسه ينطبق على الأزمة الليبية وما تتسبب به من فوضى. ومن مصلحة مصر أيضاً التوصل إلى تسوية تعيد الاستقرار إلى ليبيا.

وسط مثلث الحروب والأزمات هذه، يبدأ السيسي ولايته الجديدة، التي هي بلا شك من أصعب السنوات سياسياً واقتصادياً.

وفي ظل المساعي الحكومية للخروج من الأزمة الاقتصادية، أعلن المصرف المركزي في آذار (مارس) الماضي تحرير سعر صرف الجنيه، لتفقد العملة المحلية ثلث قيمتها أمام الدولار الأميركي.

وأتاحت هذه الخطوة للحكومة المصرية التوصل الى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي لزيادة حجم القرض الأخير من 3 مليارات دولار إلى 8، في محاولة لجمع حصيلة من النقد الأجنبي.

كذلك، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة ضخّ "35 مليار دولار استثمارات مباشرة" في غضون شهرين في مصر، بموجب اتفاق وقّع بين الحكومتين المصرية والإماراتية لـ"تنمية 170,8 مليون متر مربع في منطقة رأس الحكمة" على البحر المتوسط في شمال غرب مصر.

الولاية الجديدة للسيسي قد تكون الأصعب منذ وصوله إلى السلطة عام 2014، مع تراكم المزيد من التحدّيات المحلية والإقليمية.