وأخيراً أعلنت تشكيل الوزارة اللبنانية بعد أن حققت طهران علي مبتغاها من وراء تركيبتها الثلاثينية ، إستجابة للضغوط التى مارسها حزب الله لكي يضمن أماكن ولو رمزية لممثلي القوي السياسية التي تقف وراء توجهاته العقائدية المُسيسة .. 

شٌكلت الوزارة بعد معاناة من المؤكد أن رئيسها سعد الحريري زعيم تيار المستقبل كان يعمل لها ألف حساب .. صبر وتحمل وناور .. وقَبل في نهاية المطاف بكل ما فُرض عليه و ما اإتطاع هو ومناصروه أن يساوموا به من منطلق انها وزارة " مؤقتة " ستكون مهمتها الأولي الإعداد للإنتخابات التشريعية التى ستشهدها البلاد منتصف العام القادم .. 

هل من صلة بين التأخير من ناحية والصبر والمساومةمن ناحية ثانية ؟؟ .. 

وهل هناك صلة بين الشكل النهائي للوزارة ، وبين رؤية الدولتان الوحيدتان اللتان أرسلتا موفدين لتهنئة الرئيس ميشال عون بمنصب رئيس الجمهورية ، السعودية وإيران ، لتركيبة الوزارة ؟؟ .. 

المراقبون يقولون نعم بكل ثقة ممكنة .. لماذا ؟؟ .. 

لأن التقسمية بين جميع الأطراف – داخلياً وخارجياً - كانت واضحة منذ تم التوافق علي اختيار الرئيس اللبناني ميشال عون ، ومنذ َقبل سعد الحريري منصب رئيس الوزراء .. لأن كلاهما كان يعرف مقدماًان مستقبل لبنان السياسي " قسمة بينهما " وفق رؤية الحلفاء .. لكن تشكيلة المجلس الوزاري جاءت لصالح مؤسسة الرئاسة التى يساندها نبيه بري وحسن نصر الله ، باكثر مما تملك الأطراف التى تُساند رئيس الوزراء من قوة وتأثير .. 

هذا التفاوت في قوة التأثير علي الساحة اللبنانية الداخلية .. كشف الستار عن تراجع ترتيبات الزيارة الأولي التى كان من المفترض ان يقوم بها الرئيس اللبناني إلي الرياض تلبية لدعوة تلقاها ، في ضوء تصريحات جبران باسيل وزير الخارجية الذي أبدي عليها " تحفظاً " بعد " ترحيب كبيراً بها قبل أسبوعين .. 

يقول الوزير اللبناني .. 

التفاهمات ورعاية المصالح مع أي دولة لا تعني بأي حال التطابق الكامل في وجهات النظر !! الأمر الذي ربطه المحللون بموقف الوزير المؤيد للسياسات الإيرانية " علي طول الخط " من ناحية ، وبالإمتعاض الذي عبرت عنه دمشق وحزب الله حيالها من ناحية ثانية .. 

من وجهة نظر الوزير .. لا تعني زيارة الرياض توافق الرئاسة اللبنانية مع كل توجهاتها خاصة فيما يتعلق بالملف السوري .. أما الطرفان غير المرحبان بهذهالخطوة فينظران إليها من زاوية أنها " خطأ " لا يجب التفكير فيه ، وكفي .. 

من جانبه حرص الرئيس اللبناني عندما ترأس – 21 ديسمبر - الإجتماع الرمزي الأول للحكومة علي التركيز علي مطلب محدد وواضح ، وهو " محاربة الفساد ، لأن الوزراء مسئولون عن إهمال التعاطي مع الفساد في وزارتهم " .. وهكذا أبعد مؤسسة الرئاسة عن الخلافات " ذات الصبغة الداخلية " التى بدأت تظهر في الشارع السياسي اللبناني وفي مقدمتها قانون الإنتخابات الجديد .. 

كما حرص علي عدم الإشارة إلي أي ملفات سياسية او علاقات خارجية ، لكي يمنح نفسه وحلفاؤه الوقت الكافي بعد فترة أعياد الميلاد لكي يفكروا معاً .. بأيالعواصم يبدأ رحلته الأولي خارج البلاد ؟؟ .. 

هذا وبينما .. 

ينصرف جُل جهد القوي السياسية اللبنانية في هذه اللحظة إلي أمرين .. 

الأول .. البيان الوزاري الذي تتفرغ لجنة من سبعة وزراء – برئاسة الحريري – لصياغته في اقرب فرصة بهدف الفوز بثقة البرلمان ، والذي من المؤكد أنه سيتضمن فقرة تؤكد وقوف الحكومة إلي جانب المقاومة بكل قوة .. 

الثاني .. قانون الإنتخابات الجديد الذي يُكرس الإنقسام الحاد بين الطبقة السياسية ويباعد فيما بينها بمسافات واسعة .. لأن البعض ( تحالف بري ونصر الله ) يضغط من أجل إعتماد النسبية الكاملة .. والبعض الأخر ( تحالف الحريري وجنبلاط وفرنجية وجعجع ) ينادي بصيغة مختلطة تجمع بين النظامين النسبي والأكثري .. 

قانون الإنتخابات لا يُشكل ضغطاً في هذه المرحلة لأن موعده المرتقب مارس 2017 ، أما رحلة الرئيس الأولي خارج البلاد ، فتحظي بكل الإهتمام في ضوء ما سوف تعكسه من تداعيات سياسية وإستثمارية وأمنية تفرضها مظلة تحالفات بيروت الإقليمية والدولية وموفقها من الملف السوري علي وجه الخصوص !! .. 

من هنا فكر البعض في أن تتجه هذه الرحلة " المعضلة " إلي دمشق ، لكن زيارة جان مارك أورلت وزير خارجية فرنسا المفاجئة إلي بيروت مساء نفس اليوم الذي عقدت فيه الوزارة اللبناينة اجتماعها البرتوكولي ، حاملاً رسالة من الرئيس فرانسوا هولاند إلي الرئيس عون .. جذبت الإنظار إلي حل توافقي .. يتمثل في قبول الدعوة الرسمية لزيارة باريس بحيث تتواكب مع إستضافة العاصمة الفرنسية لإجتماع دولي لدعم لبنان مالياً واستثمارياً لدي المنظمات الدولية والحكومات الغربية ، ومن ثم تأجل الرحلة الرئاسية الثانية إلي مرحلة قادمة قد تبدو فيها الامور التى تكبل القرار السيادي اللبناني أقل تشدداً .. 

لا أحد يُنكر سيادية القرار اللبناني ، ولكن القرار السيادي نفسه لا يملك رفاهية إهمال أي رقم في حسابات معادلته السياسية .. 

و إن غداً لناظره قريب .. 

 

 

[email protected]