"سنجار" تحولّت هذه الأيام إلى حديث الساعة في إعلام الحزبين المتنازعين عليها، "الديمقراطي الكردستاني" و"العمال الكردستاني".

بعد تصريحات رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني الأخيرة، والتي أكدّ فيها على حق الإقليم ب"استخدام القوة" و"تحريك قواته باتجاه سنجار في حال رفض العمال الكردستاني الخروج منها"، ازدادت حدّة التوتر بين الطرفين، إلاّ أن التصريح الأخير الذي أدلى به القيادي البارز في "العمال الكردستاني" وعضو الهيئة القيادية في "منظومة المجتمع الكردستاني" مراد قريلان بأنهم "مستعدون لسحب قواتهم من سنجار بالحوار"، قد يرطّب الأجواء بين الحزبين المتنافسين ويخفف من حدة التوتر والتصريحات والحرب الإعلامية بينهما.

ولكن ماذا يعني قريلان ب"الحوار" وعلى أي شيء وأية قضايا سيتحاور عليها الجانبان؟

وفي حال اتفاق الجانبين على "الحوار" بخصوص "القضية السنجارية"، تحت أية شروط وأية ضمانات سيوافق "العمال الكردستاني" على سحب قواته؟

والأهم من هذا وذاك ماذا يعني "العمال الكردستاني" ب"قواته"، هل هي "قوات حماية الشعب (HPG) فقط، أم جميع القوات التابعة له مثل "وحدات حماية الشعب" (YPG)، جناحه العسكري في سوريا، و"الوحدات الإيزيدية" التي تتكون من إيزيديي سنجار مثل "وحدات مقاومة سنجار" (YBȘ ) و"وحدات حماية المرأة ـ سنجار" (YPJ-Șingal)؟

لو افترضنا جدلاً أنّ "العمال الكردستاني" سيقوم بسحب جميع هذه القوات (وهذا أمر مستبعد جداً)، ماذا سيكون مصير منظومة كاملة من المؤسسات والكيانات المدنية والثقافية والإجتماعية والسياسية التابعة له، والتي يديرها وينتمي إليها أهل المنطقة من إيزيديي سنجار أنفسهم؟

لا شكّ أنّ تصريحات قريلان فيها الكثير من المرونة، مقارنةً مع تصريحات بارزاني، لكنّ حلّ مشكلة سنجار ليس بتلك السهولة التي قد يتصورها البعض. من المبكّر جداً الركون إلى تصريح قريلان، الذي يمكن إدراجه في إطار "مبادرة حسن نية" أو ربما "مناورة تكتيكية"، والإعتقاد بالتالي بأنّ هذه المشكلة التي تتشابك خيوطها وتتعقد يوماً إثر آخر، ستنتهي ب"الحوار" أو "على خير" بين الحزبين الندّين.

مع الحوار وبدونه، يبقى هناك سؤال يفرض نفسه: هل يمكن حل الأزمة القائمة بين الأطراف المتنازعة بالتوصل إلى "سنجار بدون العمال الكردستاني"؟

الجواب هو على الأرجح لا.

سنجار بالنسبة ل"العمال الكردستاني" ليست حلب، فهو لم يدخلها ب"إتفاق" ليخرج منها ب"إتفاق"، كما دخل وخرج إلى ومن حلب مؤخراً بالإتفاق مع حليفته دمشق بوصاية روسية.

منذ أكثر من عقدين من الزمن وعين العمال الكردستاني على سنجار، لتتحصّن فيها قواته، بسبب موقعها الإستراتيجي المشرف على حدود مشروعين كرديين "إقليم كردستان" في العراق و"روجآفا" في سوريا، أولاً، ولعلو ووعورة جبلها المحصّن (استخدمه صدام حسين في أوائل تسعينيات القرن الماضي قاعدةً لضرب إسرائيل) ثانياً، ولأهميتها الجيوسياسة ما يؤهلها لأن تصبح ممّراً استراتيجياً وأمنياً مهماً يربط بين دولتين تشهدان أكبر نزاع طائفي مسلحّ في العالم، ثالثاُ.

"العمال الكردستاني" لن يتخلى عن "الورقة الإيزيدية" في سنجار، خصوصاً وأنه تحوّل إلى رقم صعب، يمكنّه من خلط الأوراق وقلب الطاولة على الخصوم واللعب مع الكبار. بعد امتلاكه ل"الورقة الكردية" في سوريا وسيطرة تنظيماته السياسية والعسكرية الرديفة على جميع المناطق ذات الغالبية الكردية في الجزيرة وعين العرب (كوباني) وعفرين وتشكيله لثلاث

"كانتونات" (لتصبح تحت نظام ما أطلق عليه مؤخراً ب"الفيدرالية الديمقراطية في شمال سوريا")، سيتجه الحزب على الأغلب شرقاً نحو كردستان العراق، عبر بوابة سنجار ومناطق أخرى (مثل كركوك وخانقين) خاضعة لسيطرة أحزاب كردية حليفة مثل "الإتحاد الوطني الكردستاني"، لإستكمال مشروعه (مشروع الأمة الديمقراطية) وتطبيقه قدر استطاعته في الإقليم الكردي العراقي أيضاً. مستفيداً بذلك من:

أولاً، الفراغ الأمني والسياسي الكبير الذي تركه غريمه "الديمقراطي الكردستاني" في سنجار، بعد انسحاب كامل منظومته الدفاعية منها في الثالث من أغسطس 2014، ما أدى إلى وقوعها تحت سيطرة عناصر "داعش" وحدوث أكبر جريمة إبادة جماعية بحق سكانها الإيزيديين في هذا القرن.

ثانياً، الخلافات القائمة بين الأحزاب الكردية في "إقليم كردستان العراق" وانقسامها على نفسها بين "الموالاة" و"المعارضة"، بسبب الأزمة السياسية (أزمة الرئاسة، تعطيل البرلمان، تعطيل الدستور، شلل الحكومة، الفساد المالي والإداري.. إلخ) والإقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد.

ثالثاُ، الأزمة المتفاقمة بين الجكومة المركزية والحكومة الإقليمية.

رابعاً، تراجع وتقهقر "المشروع السني" في سوريا أمام "المشروع الشيعي" الذي يعتبر "العمال الكردستاني" جزءاً منه.

"العمال الكردستاني" ربما يفتح حواراً مع "الديمقراطي الكردستاني" حول سنجار ومستقبلها، كما أشار قريلان، وربما يقوم بسحب بعض من أجنحته العسكرية المحسوبة عليه بشكل مباشر مثل "قوات حماية الشعب"، أو غير مباشر مثل "وحدات حماية الشعب" (الجناح السوري)، لكن من المستبعد جداً أن يقوم بسحب وحداته "السنجارية" التي تتكون من مئات المقاتلات والمقاتلين الإيزيديين، خصوصاً وأنها تحوّلت بحكم القانون إلى "قوات نظامية" ضمن ملاك وزارة الدفاع العراقية، بعد قرار البرلمان العراقي ب"ضم هيئة الحشد الشعبي" إلى منظومة الدفاع العراقية ك"قوات موازية" للجيش.

وبالنسبة ل"العمال الكردستاني"، لا تختلف هذه القوات عن تلك، لأنّ جميعها متشرّبة بالآيديولوجيا الأوجلانية، وتسعى نحو تحقيق الهدف الأوجلاني الواحد: "مشروع الأمة الديمقراطية".

الأمر الآخر هو تأسيس "العمال الكردستاني" في سنجار لمنظومة كاملة تضم العديد من المؤسسات والكيانات السياسية والإجتماعية والثقافية، بدءاً من إعلان "المجلس التأسيسي لشنكال"، مروراً بتأسيس "حركة حرية المرأة في إيزيدخان" (TAJÊ)، وإنشاء "أكاديمية الشهيد عفرين" و"اكاديمية الشهيدة بنَفش" لتأهيل الشابات والشباب الإيزيديين سياسياً وتنظيمياً، وفتح مدارس باللغة الكردية اللاتينية وفق منهاج خاص يتوافق مع الفكر الأوجلاني، وتسجيل "حزب الحرية والديمقراطية الإيزيدي" (PADÊ)، وربما ليس انتهاءً بتنظيم 3 دورات تدريبية ل"قوات الاسايش الإيزيدية"، لتولي حماية النقاط والحواجز.

"العمال الكردستاني" لن يترك كلّ ذلك بسهولة، لا بالحوار ولا بالسلاح.

كل المؤشرات تقول إنّ "العمال الكردستاني" باقٍ في سنجار، بكامل مظاهره السياسية والآيديولوجية والتنظيمية وربما العسكرية أيضاً (في مظهر "الوحدات الإيزيدية") بغطاء قانوني من الحكومة المركزية، وذلك من خلال ما توّفر له من حاضنة شعبية، بعد فتحه للممر الإنساني وانقاذه لحياة الآلاف من الإيزيديين المحاصرين في الجبل في أغسطس 2014.

المعادلة السياسية البسيطة لدى الإنسان الإيزيدي العادي تقول: "البيشمركة تركتنا واليَبَكة أنقذتنا"، وهذه تكفي لالتفاف قاعدة جماهيرية إيزيدية حول "العمال الكردستاني"، إن لم يكن ذلك "حباً" بالحزب وزعيمه عبدالله أوجلان (المعتقل في إيمرالي منذ فبراير 1999)، فسيكون "كرهاً" بغريمه "الديمقراطي الكردستاني"، جرياً وراء مقولة "عدو عدوي صديقي".

أما النتيجة في سنجار على الأرض ومستقبل المنطقة وأهلها، فلن تتغيّر كثيراً. ففي الحالتين، "ما بعد" ك"ما قبل"، سينسحب الشعب مجبراً ليخلي مكانه للحزب والشعارت وصور القائد.

هوشنك بروكا

[email protected]