لا يمكن لأثنين أن يختلفا على أن الكرد في سوريا قد حققوا منجزات ومكتسبات خدمت شأنهم القومي الخاص، و لا يختلف اثنان أيضا على مدى تأثيرهم على الوضع السوري العام، وعلى أنهم جزء مهم من سوريا، كما أن ثورتهم منحتهم بطاقة عالمية كُتبت في أذهان جميع المجتمعات والثقافات العالمية، وبحروف لا يمكن محوها خاصة بعد اندلاع الحراك السوري العام منذ العام 2011 ، حيث وصفهم الكثيرون بـ "الثوار الحقيقيين و المحررين"، وأنهم "الشجعان ضد أعتى التنظيمات الإرهابية في التاريخ (داعش)".
وقد أثبتت، بالمقابل، كل الدراسات السياسية و المجتمعية بأن الحالة الكردية هي حالة نهوض مدني و فكري في المنطقة، تترجم عمليا وفق المشروع الديمقراطي و الفكر المدني الديمقراطي الذي تميّزت به النخبة أو الادارة السياسية لثورة روج آفا، والتي من خلالها استطاع الكرد، و لاول مرة في التاريخ، الاعتماد على انفسهم و الحفاظ على هويتهم و آليات الانتماء الوطني. و لعل ما يجري الآن من حوارات بين الكرد و جميع المكونات الاخرى في هذا السياق من أجل تحقيق المشروع الديمقراطي على كافة الاراضي السورية، لهو خير دليل لتأسيس سورية الجديدة. لكن.. عملية النهوض تعني بالضرورة أنها تشمل وتنطبق على المجموعة السياسية التي قَدَمت المشروع، وعلى من دعمته خلال مجريات الأحداث والتطورات، ولكنها يبدو أنها لا تعني الآخرين المشككين في مشروعية وأهمية هذا المشروع، أو الآخرين الذين وجدوا أنفسهم غير معنيّين بالمشروع الديمقراطي قبل حوالي أربع سنوات، اي بظهور الإدارات الذاتية الديمقراطية، والتي أثبتت الأيام بأنها نواة المشروع الوطني الديمقراطي السوري العام. وبالرغم من الإدارات قد اقتصرت آنذاك في ثلاثة مناطق جغرافية متباعدة (الجزيرة، وكوباني، وعفرين). ولأنها كانت الحل - ولا تزال كذلك- فقد اكتسبت الحاضنة المجتمعية وتحوّلت كي تضم شمال سوريا كله من عفرين إلى ديرك؛ ومن الهول إلى شمال الرقة؛ بل وجميع المناطق التي تتألف منها شمال سوريا. ومن المؤكد بأن مشروع الحل لن يتوقف حتى يرى نفسه مستقراً في مناطق أخرى؛ وتصبح معممة في عموم سوريا.
كردستان في عقول وقلوب الكرد، فكل كردي يسكنه حلم اسمه كردستان، وهذا ما لا جدال فيه، ولكن الحديث الآن مختلف اذ اننا ملزمون بقراءة الوضع جيدا وتحليل اسباب أزمات وصراعات الشرق الاوسط والعالم، ولابد لنا من الحذر لعدم الوقوع في فخ الحلول التي هي بالاساس من مسببات هذه الازمة والصراعات. وعلى رأس تلك الاسباب، تاتي القضايا القوموية والدينية، ولهذا نحن حريصين على الحفاظ على خصوصيتنا القومية، ونسعى ونناضل للحفاظ عليها، ولكن وكي نضمن لشعبنا حياة حرة وكريمة ونمط ادارة ناجح، نرى ان افضل نموذج هو ذاك المنطلق من مبادئ وفلسفة الأمة الديمقراطية.
مشروع الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا، والذي رأى فيه البعض فرصة لبثِّ سمومه والطعن فيه، مُسوِّغا فشله ومواقعه المهمشة أصلاً؛ نقول لهؤلاء بأن وظيفتكم الأساسية طيلة سنوات الأزمة السورية كانت ممارسة التشويش على مكتسبات ثورتنا ومنجزات مقاومة شعبنا وبطولات شابات وشبان وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة وعموم قوات سوريا الديمقراطية، وأن من ارتضى لنفسه مهمة التشويش وبث الأكاذيب وكان الفشل والخذلان نصيبهم؛ فهم اليوم وغداً أيضا سيفشلون. بالطبع أن هؤلاء لا يمكن دمجهم مع الأصوات الشعبية المعارضة والأقلام الكردية الوطنية الناقدة، والتي انطلقت من احساسها وصدقها وخوفها على مستقبل روج آفا، لهؤلاء الأخوة نؤكد لهم بأن عدم استخدام اسم روج آفا في المصطلح السياسي/ مشروع الحل الديمقراطي أي في الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا، ليس إنهاء أو الغاء لروج آفايي كردستان، بل سعيا حقيقيا في تجسيد ماهو مساعد لزيادة فعالية وتأثير روج آفا في نهجها الديمقراطي والمقاوم، مع العلم بأنه لا يمكن لأحد أيّاً يكن أن يزيله، إضافة إلى ذلك وعليه، فهو إجراء يتسق مع مفهومنا حيال البعد الوطني، وبمثابة ترتيب يُراد منه ربط مسألتي التغيير والتحول الديمقراطي السوري بالقضايا الصميمية وفي مقدمتها حل القضية الكردية في سوريا حلاً ديمقراطياً عادلاً ووفق عقد اجتماعي/ دستور ديمقراطي سوري مُحصّن. وهذا واحد من أهم الأسباب التي قف وراء الإختيارات التي حدثت في موضوع الأسماء.
أخيراً نقول بأن خطواتنا باتت ثابتة وسريعة، وأن إعلان الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا جاء نتيجة طبيعية منسجمة مع التضحيات الكبيرة السابقة؛ ومع المكتسبات والمنجزات التي تم تحقيقها بفضل دماء شهدائنا، وأن هذه الفيدرالية تعتبر الإنجاز الأكبر حتى هذه اللحظة، وهي ستكون مفصل تحول تاريخي في سوريا والمنطقة، وهي بدورها نتيجة التحولات التي حققها مشروعنا الديمقراطي وأفرزها ذاتياً، كما أنها نقطة انعطاف محسوبة لأصحاب المشروع فقط في ظل الفوضى العارمة التي تشهدها عموم المنطقة وفشل حصول الاتفاق النهائي لإيجاد حلٍ للأزمة السورية؛ على الرغم من المحاولات الكثيرة السابقة والتي انتهت كلها إلى عدم النجاح. لذلك فهذه التجربة التي تقدمت في الدفاع الذاتي والإدارة المشتركة بين الجميع، ستقدم كل خبراتها لبقية أجزاء الوطن السوري، من أجل المساعدة في إدارة حياة المواطنين بالإمكانات الذاتية بعيدا عن أشكال التدخل والوصاية.
ان هذا المنجز التاريخي بمثابة نتيجة مُثلى وهدية نهديها نحن مكونات الشمال إلى عموم شعب سوريا بكل مكوناتهم وأطيافهم؛ ونقولها بأعلى صوتنا: هنا أينع الحل، ومن هنا انطلق الحل.
- آخر تحديث :
التعليقات