&
أكدت العمليات العسكرية المتداخلة فوق الأراضي السورية في الحسكة وفي حلب وعلي حدودها المشتركة مع تركيا. أن التنسيق بين موسكو وانقرة فيما يتعلق بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي والقوات الكردية ، يسير وفق ألويات مشتركة بلغت مستوي الإعلان عن مواققة تركيا علي أن يبقي الرئيس السوري في مكانه خلال الفترة الانتقالية! وهذا تحول لم يكن واردا علي الساحة طوال العامين الأخيرين من عمر الأزمة السورية.
إحدي النتائج التي تتأكد يوما بعد يوما منذ التاسع من الشهر الحالي ، أن الرئيس التركي أردوغان بعد فشل الإنقلاب العسكري الذي جري ضده منتصف شهر يولية الماضي ، أدار ظهره بنسبة كبيرة لواشنطن وإستبدلها بموسكو لحين إستكشاف سياسات الرئيس الأمريكي القادم في الطريق.
هو لم يغلق بابه مع حليفه الدائم الولايات المتحدة ، ولكنه يريد أن يعارض سياساتها تجاه بنوع من الندية محسوبة العواقب خاصة في ضوء الحرب ضد إرهاب تنظيم داعش وتداعياته التي دأبت علي الإمتداد داخل حدودها من حين لآخر مستهدفتا مدنيين وعسكريين.
في ظل هذه الأجواء. جاءت زيارة جون بادين نائب الرئيس الأمريكي " الخاطفة " لأنقرة – الإربعاء 23 الجاري – لتركز علي ملفين. الأول القضية الكردية التى تسبب قلقاً مفرطاً لأردوغان ، والثاني ملف فتح الله جولن الذي تطالب أنقرة بتسليمه إليها ليقينها انه هو الذي خطط للإنقلاب العسكري الفاشل.
لماذا إحتل الملف الكردي الصدراة؟
لأن تركيا لن ترضي بقيام دولة كردية علي حدودها الجنوبية مع سورية ، ولهذا السبب توافقت مع القيادة الروسية علي تفتيت القوة العسكرية الكردية السورية تحت مظلة ضرب القوات الإرهابية التى تعمل لحساب داعش ، لهذا السبب جاء تصريح وزير خارجيتها عنيفاً وقاطعاً قبل وصول المسئول الأمريكي الكبير بساعات ، حيث أكد أن قتال المسلحين الأكراد " أمر ضروري وله الأولوية علي كل شئ آخر ".
وللضغط علي واشنطن التى منحتهم كافة الإمكانيات المادية والتسليحية ، لكي تأمرهم بالعودة إلي غرب الفرات كما كان الإتفاق بين الطرفين - واشنطن وأنقرة - قبل منتصف شهر يولية الماضي.
وللترويج إعلامياً لشعار " وحدة الأراضي السورية " الذي عملت ضده أنقرة لفترة طويلة من الزمن ، ثم رفعته عاليا في الأيام الأخيرة ، لما يمثله من مصلحة ذاتية وأنانية سياسية تعبر عن خشيتها من أن يؤدي قيام دولة كردية علي حدودها مع سورية إلي تقوية ساعد الأقلية الكردية&التى تعيش فوق أراضيها. الأمر الذي لا بد أن تحتاط له قبل ان تنتشر في الأجواء الداخلية بوادره.
ولتعزيز عوامل تقاربها من إيران التى تعمل بكل طاقتها حتى لا يتنامي الشعور بالوطنية الكردية علي حساب الوطنيتين الإيرانية والعراقية ، وتتشكل في قابل الأيام قوة كردية قد تتمكن من إستغلال الأوضاع الاقليمية والأجواء الدولية ، للمطالبة بإقامة دولة تضم هذه الاقليات – السورية والتركية والعراقية والإيرانية – تحت مسمي واحد وبيئة واحدة وحكم مستقل ، ربما تتسابق بعض الدول علي الإعتراف به.
الإدارة الأمريكية&في حالة تراجع أو إرتباك فيما يتعلق بعلاقاتها الإستراتيجية مع أنقرة لا تُحسد عليها. فهي من ناحية لم تعلن موقف واضح من الإنقلاب العسكري التركي إلا بعد مرور ساعات طوال. وإلتزمت الصمت بعد أن عدلت أنقرة من توجهاتها حيال الملف السوري بما يتفق والمخططات الروسية. ووعدت بالنظر وفق قوانينها في طلب ترحيل عبد الفتاح جولن بعد دراسة ملف الإدانات الذي بعثت به وزارة العدل التركية إليها ، والتثبت من حقيقة الإتهامات الموجهة إليه " لأن الأمر ليس بيد الرئيس أوباما " كما أكد بايدن في انقرة ضمن مؤتمره الصحفي مع الرئيس التركي.
هذا التراجع فرض علي نائب الرئيس أن يعلن من أنقرة ان واشنطن ستعمل علي إعادة قوات حماية الشعب الكردي إلي الأراضي التى تقع غربي نهر الفرات ، أما بقية قوات تحالف سورية الديموقراطية فستبقي في أماكنها التى تحتلها الأن.
ألإدارة الأمريكية الحالية التى تلملم ملفاتها إستعداداً لتسليمها لمستشاري المرشح الفائز بالإنتخابات الرئاسية التي ستجري في 8 نوفمبر القادم ، ستكون حريصة من خلال تعاملها مع الملف الكردي علي أبقاء أنقرة في خانة الحليف المتوافق مع الرؤية الأمريكية وليس المتباعد عنها حتى تقلل من الألغام التي زرعت في منطقة الشرق الأوسط علي غير رغبة منها.
عودة إلي الملف الكردي:
التحالف الروسي التركي سيواصل مشواره بعد معركة مدينة " جرابلس " لإستكمال القضاء علي البؤر التى تحتلها القوي التابعة لداعش ، ولدفع القوات الكردية للعودة إلي غربي نهر الفرات حتى لا تتعرض للإبادة الكاملة.
يؤكد هذه الرؤية ان المعركة التى تقوم بها القوات التركية عبر الأراضي السورية منذ حوالي اسبوع ضد فصائل المعارضة لنظام الرئيس بشار المدعومة من جانب واشنطن وحلفائها ، كشفت الستار عن موقفين متباينين.
شجعت الرئيس أدوغان من ناحية علي القول ان بلاده ستقاتل المسلحين الإكراد " بنفس الحزم والقوة التى تقاتل بها تنظيم الدولة الاسلامية " ليس فقط فوق الأراضي السورية وانما " أيضاً فوق الأراضي العراقية ".
وأبقت الادارة الأمريكية من ناحية أخري " محاصرة " في خانة التنديد والشجب ، حيث اكتفت بوصف العمليات العسكرية التركية بأنها " غير مقبولة " ودعت كافة الاطراف إلي وقف " الإقتتال الدائر فيما بينها " لكي تتفرغ كل منها لإستكمال دورها في محاربة تنظيم داعش!
هذا الموقف المتدني ، لن يمنع قوات التحالف الغربي من أن تبذل كل ما في وسعها لكي تحقق بعض النتائج الإيجابية ضد تنظيم داعش في كل من سورية والعراق ، لكي تستعيد بعض الثقة التى فقدتها مؤخراً لحساب ورسيا وحلفائها القدامي والجدد.
الخاسر الوحيد من جراء هذه التحركات كلها ، هم اكراد سورية. لماذا؟
* لأن بقاء الرئيس السوري في الحكم لفترة قادمة ، يعد بكل المقاييس ضد رغبتهم.
* ولأن التنسيق بين أنقرة وطهران يزيد من وطأة ما يتعرضون له من مؤامرات.
* ولأن القوي الإقليمية ليست مستعدة حتى لمنحهم حكم ذاتي مشروط.
لقد وعدتهم واشنطن بالمساندة ، لكن التوقيت خانهم وخان مستقبل قضيتهم.
&
التعليقات