"أمن تركيا لا ينفصل عن أمن العراق" بهذه الرسالة التي لها أكثر من دلالة تركية وإقليمية، زار رئيس الوزراء التركي بينالي يلدريم، أمس، بغداد واربيل.

النقطة المشتركة الأهم بين اجتماع يلدريم مع رئيس الوزراء العراقي في بغداد، ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني في أربيل، هي "اتفاق الجانبين على محاربة الإرهاب"، و"الإرهاب" المقصود تركياً، ههنا، هو "العمال الكردستاني" ورديفه السوري "الإتحاد الديمقراطي" بكافة أذرعهما المسلحة من قنديل إلى عفرين مروراً بسنجار.

مقارنةً مع اجتماع بغداد بالمسؤولين العراقيين، بينالي كان في أربيل أكثر وضوحاً في إيصال هذه الرسالة إلى مسؤولي الإقليم وعلى رأسهم مسعود بارزاني، والتي كررها لمرّات عديدة، مؤكداً أن "وجود منظمة "بي كا كا" الإرهابية في قضاء سنجار شمال غرب الموصل مسألة تمس الأمن القومي التركي".

بندان من أصل تسعة بنود خرج بها إتفاق الاجتماع الثالث ل”المجلس الاعلى للتعاون الاستراتيجي بين العراق وتركيا"، والذي انعقد بالتزامن مع زيارة يلدريم لبغداد، يؤكدان على ضرورة "محاربة الإرهاب" في إشارة إلى "العمال الكردستاني"، و" القضاء على جميع العوامل التي من شأنها ان تهدد امن واستقرار المنطقة ومن ضمنها الاستقطاب الطائفي والاثني" في إشارة ضمنية إلى "الإستقطاب الإثني الكردي".

بينالي الذي تقصّد في تكرار وصفه ل"العمال الكردستاني" ب"منظمة إرهابية علينا محاربته" لمرات على مسامع بارزاني في مؤتمرهما الصحفي المشترك بأربيل، أراد إيصال رسالة واضحة، مفادها أن "العدو المشترك بين تركيا وبارزاني هو العمال الكردستاني". ما يعني أن حرب تركيا على "العمال الكردستاني" يجب أن تنتهي إلى "حرب" إقليم كردستان على الأخير، كونه "العدو المشترك" للطرفين.

البعض يرى وجود "العمال الكردستاني" وفصائله المسلحة في سنجار، وكأنه مشكلة قديمة جديدة بين حزبين كرديين متنافسين على النفوذ في كردستان بأطرافها الأربعة.

لكن المشكلة الأساسية ليست فقط في الوجود العسكري ل"العمال الكردستاني" في سنجار، ولا فقط في الصراع بين الأخير وغريمه "الديمقراطي الكردستاني"، وإنما للمشكلة أبعاد وتجاذبات واستقطابات أخرى خارجة عن إرادة الطرفين، منها:

1. كردستانية لها علاقة بالأزمة السياسية والإقتصادية التي تعصف بالإقليم وانقسام الأحزاب الكردية في الإقليم إلى كتلتين؛ واحدة تؤيد الرئيس مسعود بارزاني وحزبه وتقف مع تركيا في أربيل، وأخرى تعارضه وتقف مع إيران في بغداد.

2. وعراقية تتعلق بالأزمة بين بغداد وأربيل وفقدان الثقة بينهما، بسبب أكثر من مشكلة كالنفط والميزانية والبيشمركة والمناطق المتنازع عليها.

3. وإقليمية لها علاقة مباشرة بالصراع الطائفي الدائر في المنطقة، بين "تركيا السنية" و"إيران الشيعية".

4. ودولية يمكن قراءتها في صعود الدور الروسي في سوريا واستلام موسكو للملف السوري، مقابل استلام واشنطن للملف العراقي، في عملية تشبه وكأنها "صفقة سرية" بين القوتين العظميين لتقاسم تركة "سايكس بيكو" ورسم خريطة جديدة للشرق الأوسط على أسس مذهبية وطائفية وإثنية وعرقية.

سنجار لم تعد كما كانت من قبل "موطناً للتين" أو "جهةً للتبغ" تهمّ الإيزيديين فقط وإنما أمرها بات يهم الجيران والأقربين والأبعدين أيضاً.

"الديمقراطي الكردستاني" و"العمال الكردستاني" يمثلان في الحقيقة "شكل" الصراع في سنجار، أما المضمون فهو صراع بين أكثر من لاعب محلي وإقليمي ودولي.

قبل أقل من أسبوع اجتمع الطرفان وخرجا ب"اتفاق" قضى ب"خروج العمال الكردستاني من سنجار، بعد استتباب الأمور وزوال خطر داعش على سنجار"، ما يعني أن "الكردستاني" لن يخرج من سنجار إلا بعد "انجاز المهام الموكلة إليه وتسليم المنطقة إلى أهلها" كما جاء في أكثر من تصريح لقادته.

كما كلام الليل يمحوه النهار، كذا أي اتفاق بين ال PKK والPDK سيمحوه اتفاق الأتراك مع إقليم كردستان، لأكثر من سبب وأكثر من علاقة وأكثر من مصلحة وعلى أكثر من مستوى تربط الأخير بتركيا.

علاقة إقليم كردستان ممثلاً بالزعيم مسعود بارزاني مع تركيا ليست "حكاية عشق" بقدر ما أنها مصالح مشتركة ومتبادلة.

بحسب دراسة قام بها "معهد واشنطن" يعتبر إقليم كردستان "ثالث أكبر سوق لصادرات تركيا"، إذ بلغت قيمتها 8 مليار دولار. وبحسب دراسات حديثة تستورد تركيا حالياً حوالي 75 بالمائة مما تحتاجه من النفط والغاز الطبيعي من روسيا وإيران، وتسعى تركيا إلى البحث عن بدائل، ولعل أحد هذه البدائل المتاحة هو إقليم كردستان.

عين تركيا على نفط كردستان، مسألة باتت محسومة، والعقود النفطية الموقعة بين أنقرة وأربيل، هي من أهم أسباب خلاف بغداد مع أربيل. ففي صفقة نفطية واحدة، طبقاً لوثيقة سرية نشرها موقع "ويكيليكس"، عرض وزير الموارد الطبيعية في إقليم كوردستان على نظيره التركي بيع عدد من الحقول النفطية في الاقليم مقابل مبلغ 5 مليار دولار."

مصالح تركيا التجارية والاقتصادية والأمنية التي تربطها مع إقليم كردستان كبيرة جداٌ، أربيل هي الآن بوابة تركيا الوحيدة على العالم العربي، منذ اشتعال الأزمة السورية قبل أكثر من ست سنوات.

جلوس الحزبين المتنازعين "العمال" و"الديمقراطي" حول طاولة المفاوضات للحوار بخصوص سنجار ومستقبلها، بدون "تفويض" الأطراف الإقليمية والدولية، لن يؤدي إلى إي نتيجة. بل الأصح أنّ أي حوار في هذا الإتجاه، لن يكون بدون اتفاق تلك الأطراف ومشاركتها فيه بصورة أو بأخرى. وفي حال بدء أي حوار بين الطرفين، تركيا وإيران ستكونان طرفان أساسيان فيه، الأولى عبر "الديمقراطي الكردستاني" حليف "المحور السني" والثانية عبر "العمال الكردستاني" حليف "المحور الشيعي".

ومن المحتمل جداً أن يكون لأي حوار حول مستقبل سنجار علاقة مباشرة بالملف السوري، الذي يديره حالياً الثالوث "الروسي ـ الإيراني ـ التركي".

عين تركيا على سنجار كعين إيران عليها. كلاهما يبحثان عن موطئ قدم لهما في سنجار المشرفة على حدود دولتين مهمتين بالنسبة لأنقرة وطهران، عبر إستخدام "حربة كردية".

الأولى تستفيد من نفوذ "الديمقراطي الكردستاني"، أما الثانية فتستفيد من نفوذ "العمال الكردستاني".

سنجار ليست هدفاً نهائياً للأطراف المتنازعة عليها، بقدر ما أنها وسيلة للوصول إلى الهدف الأكبر.

فهل ستتحول سنجار إلى "مسمار جحا" في حائط مشروع الحلم الكردي.

هوشنك بروكا

[email protected]