قبل عقود، كان لي صديقة تعرفت عليها في الجامعة، وكانت دمثة الطبائع ولطيفة ومثقفة، وكانت متدينة جدا، لكنها لم تتدخل في شؤوني عملا بالآية الكريمة "لكم دينكم ولي دين" أي أنها كانت راقية في تعاملها، وكانت تكبرني بعشرة أعوام. وذات يوم كنا جالستين نتجاذب أطراف الحديث، فروت لي قصتها. 

قالت صديقتي "كنت متزوجة منذ سبعة أعوام من رجل ميسور الحال ولدي من الأبناء ثلاثة، وكان لطيفا وكريما، لكنه كان يشرب الخمر، وصبرت كثيرا وحاولت أن أنهاه عن الشرب والالتزام بالصلاة، وأشجعه بالحسنى، لكنه لم يتجاوب معي. فقررت رفع قضية عليه، وبالفعل فقد طلقتني المحكمة بسهولة. وقلت له لا أريد حضانة الأطفال، فهم أطفالك وأنت أولى بهم. 

رجعت وانتسبت للجامعة وأكملت تعليمي، وكنت أقضي وقتي في كلية الشريعة مع الصديقات. وذات يوم استدعاني عميد كلية الشريعة وقال أن دكتورا يرغب بالزواج مني، وهو أيضا متدين ويقضي وقت فراغه في كلية الشريعة، وكان متزوجا لكن زوجته كبرت ولم تعد "تعتني" به. وتم الزواج، وكان أستاذا عظيما وساعدني في دراستي وأنجبت منه طفلا. ثم مرت الأيام فصار زوجي يغادر إلى مكتبه في الساعة السادسة صباحا ويتذرع بأن عليه أشغالا في المكتب. وكنت آنذاك أكمل دراساتي العليا، فتجهزت وخرجت إلى الكلية، وكان الوقت مبكرا، فذهبت عند زوجي في مكتبه، فوجدت عنده طالبة في السنة الأولى، بارعة الجمال، وبعد أن خرجت قال لي زوجي أنها جاءت لغرض دراسي، وبما أنني أطيع زوجي، صمت، وكأن شيئا لم يكن، وذات يوم وصلتني ورقة الطلاق مع مبلغ المحكمة، وصدمت، وذهبت عند أهلي حاملة طفلي. وبعد أيام سمعت أنه تزوج الطالبة الصغيرة. اتصلت به وعاتبته على الطلاق، فقال أن ذاك كان شرط أهلها، إذ قالوا أنه كبير ولا يستطيع القيام ب "واجب" ثلاث زوجات، فاختار أم العيال، وطلقها. وبرر فعله بأنه ليس حراما." 

قلت لصديقتي: أنا آسفة على هذه النهاية، ولكنك تركت أطفالك مع زوجك الأول، ألم تشعري بالذنب؟ أجابت: لا أنا لست مكلفة شرعا برعايتهم إذا انتهى الزواج. فقلت: لكنك تمسكت بطفلك من الزواج الثاني. فقالت: ليس لدي فرصة إنجاب أخرى، فمن هو الذي سيتزوج مطلقة في الأربعين من العمر." 

انتهت الحكاية، وانقطعت أخبار صديقتي ولا أعرف عنها شيئا الآن. 

هذه حكاية ليست غريبة، وحدث مثلها الكثير، ولكن ما أدهشني هو عدم اهتزاز قناعة تلك السيدة قيد أنملة، فلا زالت مصرة على أن ما فعلته صحيح وهي ليست نادمة. وكل الأحداث التي حصلت في الزواج الاول والثاني شرعية وحلال، فصديقتي طلقت الزوج الأول لأنه كان يشرب الخمر على الرغم من طيبته وكرمه معها، وهو تصرف حلال إذ أنها متدينة والإسلام يعتبر شرب الخمر من الكبائر. كما أن تخليها عن الأطفال حلال فالإسلام لا يفرض على المرأة حضانة الأطفال إذا انتهى الزواج، كما أن زواجها الثاني من رجل متزوج حلال، وغدر الزوج بها وتطليقها وزواجه بفتاة تصغره بثلاثين عاما حلال، واحتفاظها بطفل الزوج الثاني جائز شرعا. فأين المشكلة إذن، لماذا هي حزينة؟ لماذا لا تتخلى عن الطفل الجديد وتعطيه لطليقها وتتزوج مرة ثالثة، فإعفاف النفس فرض على من يستطيع إليه سبيلا. لماذا تحزن ما دامت تتصرف حسب الشريعة وترضي ربها؟ يجب أن تكون سعيدة ومستعدة لزواج جديد وربما يرزقها الله ببنين وبنات، وعلىالمؤمن ألا يصيبه اليأس!!