عَصَف تسونامي التكنولوجيا بأوتدة الزمن الغابر، تحوّلات متسارعة وأنماط سلوك مستجدة، الضّباب العابر حَجَب الوضوح، العولمة التي إختصرت تفاصيل الكون لا زال فيها كثير من المَجاهل المُظلمة والمسائل الجدليّة التي لم تنضجْ بعد، إختلال العالم ما عاد عنواناً فكرياً مجرداً بل صار حقيقة تظهر في مجريات كل قطاع وعلى منعرج كل صراع، ثقافات تختفي لتحل مكانها أخرى أكثر تطابقاً، المجال الإفتراضي لم يُنتج إقتصاداً وإجتماعاً جديدين فحسب بل صنع كوكباً مسحوراً قائما بذاته، خوارزميات توجه عقول البشر، سياسات تعمل على ربط العالم عن طريق الإنترنت و شبكة الإتصالات، البشريّة كلها على سكّة تبدلات هائلة، المشهد مكشوف على كل ما هبّ ودب، القرية الكونية تتمخّض كل يوم، والصحافة في لجّة هذه الأحداث ليست إستثناءاً. 

لا دراسات وافرة حتى اللحظة، لكن كل المؤشرات وإستطلاعات الرأي وتحليل المحتوى تؤكد بما لا يُبقي مجال للشك بأن الصحافة التقليدية باتت في مكان وجمهور الرأي العام في مكان آخر. 
عندما تهرع الفضائيات والصحف الورقية والإلكترونية إلى وسائل التواصل الإجتماعي للتمسك بأهداب الزوار والمتابعين، يعني هذا أن شيئاً ما تبدّل وإلى الأبد في صميم مهنة الإعلام والصحافة. 
السّباقون إلى غمار الصحافة الحديثة كانوا نخبة نادرة، أحدهم وربّما أوّلهم كان عثمان العمير، ناشر إيلاف، فيما لم يُدرك كثرٌ من المخضرمين عمق التغيير، أو ربّما وجدوا أنفسهم إزاء عالم غريب عنهم تماماً، هم إستكانوا إلى ما أِلفوا التعامل معه من توليفة الصحافة القديمة، فلم ينشغلوا بخطط تتكيّف مع جذريّة إختراق التكنولوجيا للصحافة، لم يتحضّروا للعاصفة الآتيه، سخروا من الإنترنت والصحافة الإلكترونية وإمتنعوا عن إكتشاف وإختبار وسائل التواصل الإجتماعي حتى وجدوا أنفسهم أمام حائط مسدود ومأزق مصيري طار بصحفهم الورقية على بساط الريح، عندها هرعوا إلى المنصات الإلكترونية وخضعوا طائعين لسيطرة شبكات التواصل، لكن الحقيقة أن هناك جيلاً كاملاً نشأ في كنف الإعلام الجديد، وهو قد أقفل النوافذ تماماً في وجه المنتج القديم الناتج عن صحافة قديمة، ولا نذيع سراً إن قلنا أن المحتوى الكلاسيكي لصحافة ما قبل الإعلام الجديد لا يلبي غالباً حاجات وإهتمامات وتطلعات الجيل الجديد
شباب في العشرينات فكّروا من خارج الصندوق، طوّروا في التكنولوجيا، أطلقوا في الأثير بذرة التفكير بطريقة مختلفة، إبتكار تطبيق بسيط للعبة على جهاز محمول يجلب لصاحبه أرباحاً وافرة، مليون زائر ومتابع لأي منصّة إعلامية بمثابة ثروة حقيقيّة، سبر أغوار الإعلام الجديد يقود – ولا ريب – إلى منافذ إستثماريّة واسعة. 
ليس ما يمنع من أن نُطلق مسمى " الصحافة الذكية " على الصحافة العاملة في الفضاء الإفتراضي، فقد سبق لمفهوم الذكاء الصناعي أن أطلق على الحكومات والمدن والشوارع والسيارات والبيوت والهواتف والمدارس وعلى كل من يعتمد التكنولوجيا في خدماته ومنتجاته. 
الصحافة الذكية هذه تقوم على مبدأ " الإبتكار " وتعتمد بشكل تام في عمليّة الإنتاج على أحدث مخرجات التقنية من تصميم وبرمجة وتطبيقات وحلول، وتأخذ على عاتقها تطوير ونشر محتوى مهني إبداعي متلائم مع متطلبات الصياغة الخاصة بالمواقع والصفحات وتهيئة النصوص لتحسين ظهورها وتصدّرها على محركات البحث. 
تواجه هذه الصحافة تحديات تهدد بخراب كبير لا يطالها فحسب بل يعمّ كافة الدول والقطاعات ما لم يتم تداركها ومكافحتها جدياً، لكن - على خطورتها – فهي تبقى جانبيّة يمكن علاجها بسرعة وسهولة من خلال الشراكة ما بين شركات تقنية المعلومات من جهة ووسائل الإعلام من جهة أخرى، وتتمثل هذه التحديات في " الأخبار الكاذبة " والشائعات ووجهات النظر المستقطِبة وفقّاعات الترشيح التي تقوم بتقديم نتائج موجهة ومختارة للمستخدمين من خلال محركات البحث على الإنترنت بناءاً على مواقعهم وإختياراتهم السابقة ما يتسبب بعزلهم عن المعلومات التي لا يتفقون معها، وفي هذا شكل من أشكال التضليل. 
بعض الشركات العملاقة المهيمنة تتجنب حلّ هذه العقدة لأن ذلك سيعني خسارتها لملايين المتابعين وبالتالي إنخفاض عدد الزوار والمعلنيين والأرباح، بالمقابل برزت مشكلة كبرى تهدد عمليّة "ربط العالم " برمتها ما لم تتم معالجة الأخبار المزيفة، خاصّة وأنها عقدة سهلة الحل من خلال إعتماد خوارزميات أكثر دقة وتطبيق معايير نشر تعطي أفضليّة لما ينتجه المُحرر المحترف وتحد من إنتشار المواد المتهالكة التي أغرق بها الديماغوجيون فضاء الإنترنت، هذه الضحالة الشائعة بالإضافة إلى الخروقات الخطيرة لأنظمة دول ومؤسسات ولّدت رغبة بالإنعزال وتردُّدْ عند البعض في اللحاق بركب النمو العالمي، كما أجّجت المطالب بالانسحاب من العالم الاتصالي المُتشابك وأكّدت مخاوف عميقة من أن العالم ينجرف في إتجاه مضاد للعولمة. 
من مميزات الصحافة الذكيّة أنها تحقق حضور أفضل، بتكلفة أقل، وإختراق أعلى، وإنتشار أوسع، ونشر أسرع، ومعلومات أكثر، مع توفر عدة مزايا تفاضليّة منها قياس مدى التفاعل مع المحتوى، وفرصة إكتشاف قصص وأخبار خاصة من خلال النشاط المباشر على صفحات التواصل الإجتماعي، وإتاحة خدمة إنشاء المدونات وإستقطاب المدونين وجيل التكنولوجيا الجديد. 
هي قادرة على النجاح فيما فشلت به سابقتها التقليدية، ففي جعبتها سلّة بدائل مبتكرة مرتبطة مباشرة بقدرتها على التميّز وتقديم شبكة خدمات صحفية عنكبوتية توفر لها ريادة وعوائد مالية في آن واحد. 
إستطراداً، شهدت العاصمة الإماراتية أبو ظبي خلال شهر أبريل الماضي فعاليات ملتقى الإعلام البترولي، وكان لافتاً إشارة أصحاب القرار إلى قلّة الصحفيين المختصين في مجال الإعلام البترولي على أهميته. 
الصحافة الذكية، صحافة الجيل الجديد هي اليوم الأكثر مرونة ورغبة في تقديم نموذج مختلف وتحقيق أرباح، مستفيدة من ميزة قدرتها على الإنتاج والإبداع بميزانيات أقل بكثير من تلك المعتمدة في وسائل إعلامية أخرى، يكون ذلك عن طريق سلّة خدمات وإجراءات منها :
_ جودة المحتوى ونشره وفق الصياغة الخاصة التي تتيح تصدراً في محركات البحث، ما يقود إلى مشاهدة أكثر وسعر إعلان أغلى.
_ إطلاق خدمة المحتوى المطلوب والمدفوع سلفاً، من خلال عمل إحترافي يقوم بإنتاج ملفات وتقارير إستراتيجيّة فائقة التخصص بالتنسيق مع جهات وهيئات حكومية وخاصّة، في مجالات الطبّ – التعليم – الأمن – التكنولوجيا العسكريّة – البترول – السياحة- أمن المعلومات – الإتصالات - السوشيال ميديا – البيئة المستدامة وعناوين رئيسية أخرى. 
_ تحالف إعلامي – تكنولوجي، كضرورة وجوديّة و إستراتيجية.
_ مشاريع مشتركة مع وجوه ومشاهير السوشيال ميديا.
_ التمويل المباشر من قبل أفراد أو مؤسسات تجمعهم قناعة مشتركة. 
_ نشاطات محوريّة رديفة يقوم بها فريق الإتصالات التسويقية على مدار العام، كأعمال صحفية تجاريّة - ملتقيات – قمم متخصصة – تدريب وورش عمل. 
أفكار كثيرة وغزيرة ذات جدوى مهنية ومالية يمكن أن يأتي بها جيل الإنترنت إذا ما تم إستقطابه والإستماع له. 
أبناء الثلاثين في السياسة يثبتون اليوم ريادتهم كقادة ويزرعون الأمل، وأبناء العشرين في التكنولوجيا والصحافة يمتلكون في جعبتهم سر إنجاز التحوّل الكبير، فأين هم؟