لم يعد هناك أدنى شك في أن جميع المحيطين بالرئيس ترامب باتوا من "الصقور"، الأكثر ميلاً للحروب واستخدام القوة في تحقيق أهداف الولايات المتحدة، وهم أيضاً من كارهي نظام الملالي الإيراني، وكانت أحدث حلقات هذا الإعداد لحشد الصقور، تعيين جون بولتون، خلفاً لهربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي.

بولتون من مؤيدي استخدام القوة العسكرية الكاسحة ضد الأعداء، وفي مقدمتهم كوريا الشمالية وإيران، وانضم إلى فريق مؤيدي الحرب في إدارة ترامب إلى جانب وزير الخارجية مايك بومبيو.

لم يزل بولتون على تشدده وآرائه الصارمة منذ مغادرة إدارتي بوش الأب والابن، حيث لا يزال يدافع بشراسة عن استخدام القوة ضد إيران في مداخلاته ومقالاته ومحاضراته. وباعتبارها أحد صقور المحافظين الجدد، فإن وجوده في إدارة ترامب يعني عودة نسبية لهذا التيار إلى واجهة السياسة الخارجية الامريكية، ويبقى تنفيذ التوجهات رهن إرادة ونوايا الرئيس ترامب، الذي يصعب التكهن بمواقفه النهائية حيال القضايا والأزمات حتى لحظة الإعلان عن هذه التوجهات رسمياً.

ولا شك أن إيران قد تلقت قرار تعيين بولتون باعتبارها المؤشر الأكثر حزماً حتى الآن في اتجاه إدارة ترامب للتصعيد مع طهران، ويكفي أن بولتون كان أحد أشد الأمريكيين رفضاً للاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما مع طهران.

ربما لا يحتاج بولتون للكثير من الجهد من أجل اقناع ترامب بالتخلي عن الاتفاق والانسحاب منه، فالشواهد تؤكد أن الرئيس حزم أمره بالفعل ووعد باتخاذ قرار مهم بشأن الاتفاق خلال شهر مايو المقبل، فقد رجّح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور الجمهوري بوب كوركر، انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران في مايو المقبل. وقال كوركر في حديث لقناة "سي بي أس" الأمريكية، إن "الصفقة مع إيران ستكون موضوعا آخر سيتم تناوله في مايو، ولا يبدو أنه سيتم تمديدها". والأهم أن بولتون لا يتوقف عند حد الغاء الاتفاق، بل يذهب في وعوده إلى حد اسقاط النظام الإيراني، فقد قال في احتفال للمعارضة الإيرانية مؤخراً: "سنحتفل معكم في طهران عام 2019"، ولم تحظ هذه الجملة حين قيلت باهتمام لأن بولتون كان يحمل لقب "سابق"، لكنه الآن عاد إلى واجهة صناعة القرار الأمريكي وفي قلب دوائر التأثير من خلال منصبه كمستشار للأمن القومي، حيث بات الرجل الذي كتب منذ سنوات قلائل في مقال له "لنقصف إيران" هو من يقدم الاستشارات للرئيس الأمريكي، الذي يبحث بدوره عن وسيلة لتحقيق أمن حلفاء الولايات المتحدة الشرق أوسطيين.

لم يكن غريباً أن يطلق الخبراء على إدارة ترامب في تشكيلها الراهن لقب "حكومة حرب"، فهي تضم في معظمها جنرالات متشددين، ولكن هل معنى ذلك أن الحرب ضد نظام ولاية الفقيه ستعلن غداً كما يعتقد البعض؟ شخصياً أرى أن إدارة ترامب ستركز في المرحلة الراهنة على التخطيط لقمة ترامب مع الزعيم الكوري الشمالي وبناء على نتائجها وماستحققه، سيكون لكل حدث حديث.

لو نجح ترامب في انتزاع تنازلات كورية شمالية كبيرة، سيكون الدور لاحقاً على الملالي لإخضاعهم إما بالقوة أو بالقوة، فالولايات المتحدة تريد أن تتخلص من هذه التحديات "الصغيرة" للتفرغ للتحديات الاستراتيجية الأخطر على هيمنتها على النظام العالمي، ولاسيما تلك الآتية من الصين وروسيا.

المؤكد أن مايو المقبل سيحمل أنباء غير سارة لنظام الملالي، وأن مايخشونه سيصبح حقيقة واقعة، وأن "أسوأ صفقة في التاريخ" كما يراها الرئيس ترامب ستتحول إلى ماض، وعليهم البحث عن طريقة آمنة للخروج المأزق الذي وضع النظام الإيراني نفسه فيه.

قناعتي أن نظام الملالي يقتات على الأزمات ويتعايش بقوة وحماسة مع أجواء الصراعات والحروب لأن النظام لا يمتلك مشروعاً تنموياً ولا خطط اقتصادية أو غير ذلك، وكل ما يمتلكه منذ عام 1979 هو انفاق المليارات التي تدرها مبيعات النفط والغاز على مشروعات النظام الأيديولوجية وتدخلاته الخارجية، فلا يكد يخرج من أزمة حتى يستعد ويهيئ الساحة لدخول أخرى، وبالتالي فالحروب والصراعات هي البيئة المثالية التي يفضلها هذا النظام المخرب، ولذا من الصعب الاعتقاد بأن الملالي سيقدمون على إجراءات او خطوات لاحتواء أي توجه أمريكي أو إسرائيلي قد يستهدف التصعيد العسكري ضد إيران.

وقناعتي أيضاً أن الرئيس ترامب لا يريد خوض حروب جديدة وأنه يلوح بكل العصي من أجل انتزاع أقصى سقف للمكاسب الاستراتيجية للولايات المتحدة، فهو رجل أعمال يجيد البحث عن الصفقات، ولكنه يدرك أيضاً أن الحروب والأزمات قد تهدر كل ما نجح في تحقيقه للاقتصاد الأمريكي خلال فترة رئاسته، فهل يستغل الملالي هذه السمات في شخصية ترامب للإفلات بجرائمهم؟ أم سيتخلى الرئيس الأمريكي عن طبيعته هذه المرة ويأمر بتوجيه ضربة لإيران خشية أن تكون سبباً في تقويض أحلامه في الفوز بفترة رئاسية ثانية؟