&
هذه تجارة غير شرعية تحتل المرتبة الثالثة في العالم من ناحية سعتها ونطاقها وما تحققه من أرباح، فيما تحتل تجارتا المخدرات والأسلحة المرتبتين الأولى والثانية، وما نتحدث عنه هنا هي تجارة التحف والآثار المسروقة وهي تجارة مربحة تدفع المشاركين فيها إلى تمشيط أنحاء الكرة الأرضية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا بحثا عن مقتنيات يمكنهم المتاجرة بها وبالتالي تحقيق أرباح خيالية جدا. &
لهذه التجارة خصصت قناة آرتي الفرنسية الألمانية المشتركة تقريرا زاد طوله عن الساعة ونصف الساعة وبثته الثلاثاء الماضي وشرحت فيه كيفية عمل الشبكات العالمية المختلفة العاملة في هذا المجال.&
ويبدأ التقرير بهذه القصة: في عام 2009 عرض جزء من ممتلكات ايف سان لوران وبيير بيرجيه ومجموعتهما الفنية للبيع في المزاد. وضمن المجموعة رأسان من البرونز يمثلان حيوانيين أصلهما من الصين وكانا يزينان القصر الملكي الصيفي في بكين قبل سرقتهما في ستينات القرن التاسع عشر عندما اجتاحت قوات فرنسية المكان وأضرمت النار فيه ونهبته ودمرته وما تزال آثار الدمار ماثلة حتى يومنا هذا. في ذلك الوقت ندد الكاتب الفرنسي فكتور هوجو بشدة بهذه السرقة وبهذه الفعلة وكتب يقول إن كل ما تمثله الكنائس الأثرية في اوروبا لا يساوي ما يمثله هذا القصر الملئ بكنوز الشرق الأقصى.&
&بيع الرأسان في المزاد بسعر 28 مليون يورو ولكن مفاجأة حدثت عندما اكتشف الباعة أن المشتري صيني أراد فقط عرقلة بيع القطعتين لآخرين ورفض في النهاية دفع المبلغ المطلوب قائلا إن البضاعة سرقت أصلا من بلاده. وهنا أعيد الرأسان إلى بيير بيرجيه الذي لجأ إلى لغة أخرى في الدفاع عن نفسه وقال إنه على استعداد لإعادة التحفتين إلى بكين إن بدأت باحترام حقوق الإنسان في الصين.&
وفي عام 2013 قام فرانسوا بينو الذي له حصة كبيرة في أسهم مزاد كريستي بالتفاوض مع بيرجيه لشراء التمثالين ثم ما لبث أن سلمهما للصين في مراسيم احتفالية. وبعد فترة قصيرة وردت أنباء عن حصول بينو على رخصة رسمية للعمل في الصين.
وعلقت صحف فرنسية عديدة على تقرير آرتي الذي قالت إنه يفتح عيون المشاهدين مقارنة بأولئك الذين يغمضون أعينهم عن جرائم ترتكب في حق دول عديدة في العالم من خلال سرقة آثارها وتهريبها ثم تبييض وجودها في الغرب وكسب المال من خلال بيعها لجامعي تحف مغرمين باقتنائها ولا يريدون أن يعرفوا كيف وصلت هذه البضاعة إليهم. &
يظهر التقرير أن ما يشجع هذا النوع من التجارة غير الشرعية هي الحروب أولا ثم قلة اهتمام السياسيين ثم ضعف القوانين الدولية في مجال مكافحتها. ونكتشف أيضا أن متاحف عديدة بعضها مهم جدا في العالم لا تمتنع عن اقتناء مثل هذه الآثار رغم معرفتها بأنها مسروقة وتقوم بتقبل الأوراق "الرسمية" التي يعرضها البائعون عليها.&
تبدأ عمليات السرقة بمجموعات صغيرة مزودة بأجهزة حديثة جدا تقوم بالتنقيب واستخراج الآثار من أماكنها تحت الأرض بسرية تامة ثم يتم إيصال البضاعة إلى ما يدعى بممثلين إقليميين يعملون على تأمين خروجها من البلاد دون إثارة أي ضجة لتدخل بعد ذلك الأسواق الغربية حيث توجد شبكات أخرى تعمل على استلام البضاعة وتبييضها ومنحها سمات وجود رسمية. &
ويقول محقق خاص هو آرثر براند عن الأوساط التي تتعامل بهذه التجارة "هذا وسط مغلق جدا يغمض الجميع أعينهم فيه". ويضيف "تجار الفن لا يريدون الكشف عن أي شئ ومقتنو التحف لا يريدون أن يعرفوا أي شئ. أما الشرطة فلا وقت لديها".

لماذا الآن؟
من المعروف أن الآثار والتحف المسروقة تغرق الأسواق الشرعية منذ سنوات طوال في الدول الغربية دون الخضوع لأي محاسبة من أي جهة كانت. وطالما حاولت الدول التي تتتعرض إلى سرقة آثارها وتحفها وتاريخها الإعتراض والإحتجاج في المحافل الدولية دون أن تلقى آذانا صاغية بشكل حقيقي. غير أن عمليات التخريب التي تعرضت لها مناطق أثرية في العراق وسوريا في الآونة الأخيرة أعادت هذه القضية إلى الصدارة وبدأ نوع من الوعي ينمو بحقيقة ما يحدث. ومن المعتقد أن داعش يعتمد على بيع الآثار في تمويل عملياته ونشاطاته.
وتصل قيمة تجارة التحف والآثار في العالم إلى 6 مليارات يورو سنويا ونكتشف من تقرير قناة آرتي تفاصيل عديدة تؤدي إلى ازدهار هذا النوع من التجارة وإفلات المشاركين فيها من العقاب ومنها عدم وجود اتفاقات دولية حقيقية وملزمة تجبر البائعين والمشترين على إثبات مصدر التحف التي تباع وتشترى. ولذا نجد أن سلطة المال والنفوذ هي التي تحدد معايير التعامل في هذا المجال دون اعتبار لأي قيمة أخرى لأن القيمة الوحيدة المهمة هي ملء الجيوب بالمال بغض النظر عن أي شئ آخر.&
&