وضع رئيس الاركان الاسرائيلي الاسبق ايهود باراك خطة quot;شجرة العتيقquot; لاغتيال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في العام 1992، فواجهت اعتراضات استخباراتية اسرائيلية كثيرة على الرغم من إصرار باراك عليها، لكنّها لم تنفّذ.


ايهود باراك هو من أعدّ الخطة

أعدّت اسرائيل خطة لاغتيال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 1992، بعد أيام من انتهاء حرب الخليج الأولى، ورغم تدريب قوات كوماندوز اسرائيلية على تنفيذ الخطة، التي يدور الحديث عنها لمدة ثمانية أشهر في صحراء النقب، إلا أنها لم تخرج الى حيّز التنفيذ، لأسباب لعب فيها القدر دوراً كبيراً، بحسب وصف الملحق الاسبوعي لصحيفة يديعوت احرونوت العبرية quot;سبعة أيامquot;.

تبريرات ايهود باراك لتنفيذ العملية

الخطة التي أعدتها إسرائيل لاغتيال الرئيس العراقي الراحل، حملت في حينه اسماً كودياً هو quot;شجرة العليقquot;، وحثّ رئيس الأركان الإسرائيلي حينئذ quot;ايهود باراكquot; على ضرورة تنفيذها، لترميم قوة الردع الإسرائيلية، التي تضررت في أعقاب إطلاق صواريخ عراقية على إسرائيل إبان تلك الفترة، كما برر دعمه للخطة بأن أيًا من دول العالم لن تعارض اغتيال صدام حسين، خاصة أن العراق ممثلاً في صدام هو العدو الرئيس لإسرائيل بعد إيران، فضلاً عن امتلاكه أسلحة دمار شامل، وفقاً لتقدير اجهزة استخبارات اميركية وأوروبية مختلفة.

ويؤكد الصحافي الاسرائيلي quot;رونين برغمانquot; في إزاحته الستار عن تفاصيل العملية وملابساتها، أنه منذ اللحظة الاولى لإجراء مباحثات حول تصفية صدام حسين، بدا بون شاسع بين وجهات نظر المستوى السياسي والأمني والاستخباراتي في إسرائيل، وانشقت هذه المستويات على نفسها إلى فريقين، احدهما يتزعمه رئيس الاركان ايهود باراك المبادر الاول للخطة، ويؤيد هذا الفريق اغتيال صدام إلا انه في الوقت عينه يوصي بقياس مدى جهوزية المستويين العسكري والاستخباراتي لتنفيذ العملية.

وأوصى الفريق الآخر الذي تزعمه رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية في حينه quot;اوري ساجيquot; بعدم الاقدام على تلك الخطوة، ووضع هذا الفريق العديد من المبررات التي تدعم موقفه، وجاء في طليعتها: ان المستوى الاستخباراتي لا يمتلك القدرة الكافية لتنفيذ عملية quot;شجرة العليقquot;، وان الموساد لا يعلم حقيقة ما يجري في العراق، لذلك لا ينبغي المخاطرة وتنفيذ عملية اغتيال صدام، كما انفرد ساجي بالتحذير من احتمالات ما وصفه بانقلاب السحر على الساحر، حينما قال: quot;لا ينبغي استبعاد تبعات اغتيال اسرائيل للرئيس العراقي، فمن الممكن ان يترتب على تلك العملية خطة اغتيالات عراقية تستهدف قادة إسرائيليين، ويجب عدم نسيان أننا سنغتال زعيم دولة عربية ذات سيادة، ولن يمر ذلك مرور الكرامquot;.

ويشير الصحافي الإسرائيلي في تقريره إلى أنه رغم تباين وجهات النظر حول خطة اغتيال صدام حسين، إلا أنه تم الاعداد لتنفيذها، وتلقت تل ابيب معلومات من جهاز الاستخبارات المركزية الـ quot;CIAquot;، يشير مضمونها إلى أن خال الرئيس العراقي يخضع للعلاج في احد المستشفيات الأردنية بعد إصابته بالسرطان، فقررت إسرائيل ارجاء تنفيذ العملية حتى وفاة خال صدام، الذي باتت ايامه معدودة، واضطر القائمون على علاجه لبتر احدى ساقيه، وحول العلاقة بين تردي صحة خال الرئيس العراقي الراحل وتنفيذ عملية الاغتيال، اشار الصحافي الاسرائيلي الى ان ذلك يعود - وفقاً للخطة التي ازيح الستار عنها - الى انتهاز الجهات القائمة على العملية في تل أبيب لوفاة خال صدام، ومشاركة الاخير بنفسه في تشييع جثمانه، لتنقض عليه قوات الكوماندوز الإسرائيلي، بعد أن تدخل الاراضي العراقية عبر عملية انزال بالمروحيات، يتمكن قائدها من تفادي الرادارات العراقية.

مراحل شاقة من التدريب في صحراء النقب

صدام حسين في عز حكمه

وتؤكد المعلومات التي سمحت الرقابة الاسرائيلية بتسريبها، أن خطة quot;شجرة العليقquot; اشتملت على عدة مراحل شاقة من التدريب وكان يحضر تلك التدريبات كبار القادة العسكريين الاسرائيليين في مقدمهم رئيس الاركان انذاك ايهود باراك، الذي كان يشرف على التخطيط والتدريب بنفسه، وتم ايضا عرض الخطة على اسحاق رابين في الثامن من تشرين الأول/ اكتوبر عام 1992، وابدى بعض ملاحظاته عليها بحضور كبار القادة العسكريين الإسرائيليين، وتم اسناد تنفيذ العملية لضابط برتبة رائد يدعى quot;دورون كامبلquot;.

وكان من المقرر وفقاً للخطة أن يرتدي الطاقم المكلف بالمهمة ملابس عراقية ويتم إنزاله بواسطة مروحيات في الصحراء العراقية، ومعه اربع آليات من التي يستخدمها الجيش العراقي، وفي منتصف شهر كانون الأول/ اكتوبر من عام 1992 وفقاً للتقديرات الاسرائيلية سيكون الرئيس العراقي ضمن مشيعي جثمان خاله في مقبرة العائلة في قرية العوجة في تكريت، وقبل هذا التوقيت بأربعة أيام، يتحرك الطاقم المكلف بالمهمة برياً لمدة اربعة ايام حتى يصل إلى موقع قريب من المقابر، وفي فجر يوم التشييع يتمركز 30 عنصراً من اعضاء الطاقم بقيادة ضابط على مسافة 10 كيلومترات من المقبرة وبحوزتهم عشرة صواريخ، لتتقدم مجموعة مكونة من اربعة افراد بقيادة الرائد كامبل وهم يرتدون الملابس الريفية حتى يصلوا الى مسافة 300 متر عن المقبرة.

وبحسب الخطة فإنه عندما يصل صدام حسين إلى المكان المخصص لاغتياله، يقوم احد افراد مجموعة كامبل بتوجيه مجموعة الإطلاق، التي تتابع شاشة تُظهر صورة جوية للمقابر، وكانت كلمة السر التي سيقولها الضابط كامبل عبر جهاز اتصال لنظيره قائد المجموعة الاخرى quot;ارسل سيارة الأجرةquot;، وتعني هذه العبارة إطلاق الصاروخ الاول على صدام حسين، ثم يتبعه صاروخ آخر للتأكد من تصفيته، وخلال حالة الارتباك التي ستسود المكان، تنسحب مجموعة الرائد كامبل لتنضم الى المجموعة الأخرى في نقطة معينة، تعود منها المجموعتان إلى إسرائيل جواً.

رغم اعتراض رئيس الاستخبارات العسكرية في حينه quot;اوري ساجيquot; على العملية، إلا انه أكد أن الاعداد لها وجهوزية الفريق المكلف بها اكتملت، وأنه لا يبقى سوى خروجها إلى حيز الواقع، وصادق رئيس الاركان حينئذ ايهود باراك على تنفيذها، إلا أن رياح القدر أتت بما لا تشتهي سفن باراك ورفاقه من المؤيدين لعملية اغتيال صدام حسين، حينما تأخرت وفاة خال الرئيس العراقي الراحل لعامين بعد الموعد المحدد للعملية.