إسقاط تمثال صدام حسين في العراق

يروي علاء نامق، الرجل الذي ساعد الدكتاتور العراقي الراحل صدام حسين على الاختباء تفاصيل قضاها معه خلال فترة اختبائه، وقبل أن يعثر عليه الجنود الأميركيون في حديقة نامق، حيث أقام له حفرة يختفي فيها عن نظر الجميع.


لندن: علاء نامق لا يريد ان يتحدث عن الأمر أو انه يتشوق إلى الحديث عنه. يصعب القول أيهما، فهو تارة يهز رأسه ملتزما الصمت المطبق ثم تنفتح قريحته تارة أخرى متباهيا بما فعله. ويقول نامق بكل اعتزاز انه هو الذي صنع الحفرة، والحفرة المعروفة للعالم باسم quot;بيت العنكبوتquot; هي الملجأ الصغير في مزرعة نامق حيث عثر الجنود الأميركيون على صدام حسين في 13 كانون الأول (ديسمبر) 2003.

ونادرا ما تحدث علاء نامق وشقيقه قيس علنا عن مساعدتهما الطريد الأول في العالم على الاختفاء نحو تسعة أشهر بعد الغزو الأميركي. ولكن علاء الذي كان يحتسي الشاي في مطعم متواضع فتحه هذا الصيف، على بعد مسافة قصيرة من الحفرة، بدا الآن مستعدا للحديث.

لعل وقتا كافيا مرّ ولعل قلة سألوا اصلا، ولكن اياً يكن السبب فإن نامق جلس ببنيته ذات المنكبين العريضين على كرسي صغير من البلاستيك يشفط دخان سيكارة ويتحدث عن إخفاء الرجل الذي عرفته عائلته طوال عقود.

قال نامق (41 عاما) لصحيفة واشنطن بوست إن صدام quot;جاء هنا وطلب منا مساعدته فقلت نعم، قال quot;قد تتعرض للاعتقال والتعذيبquot; ولكن عندما ينخاك احد فان تقاليدنا العشائرية العربية والشريعة الاسلامية تقضي بحمايتهquot;.

وكان صدام ولد في قرية قرب تكريت شمال قضاء الدور على ضفاف دجلة. وعندما كانت القوات الأميركية تبحث عنه اصبح الجيش الأميركي على اقتناع بأنه سيجد ملاذا بين عشيرته التكريتية في بساتين هذه المنطقة المترعة بأشجار النخيل والبرتقال والكمثرى.

ويقول نامق انه وشقيقه اعتُقلا مع صدام وأمضيا ستة اشهر مزرية في سجن ابو غريب. وإذ كان نامق سائق صدام وأحد مرافقيه، فانه أمضى السنوات القليلة الماضية سائق تكسي مدخرا ما يكفي لفتح مطعم العائلة قبل أسابيع من إجراء المقابلة معه.

يرحب نامق في مطعمه على شاطئ دجلة بصحافي اميركي عارضا عليه فرخة مشوية وشايا مُحلى في مساء شديد الحرارة. والواقع ان المطعم كوخ صغير من الطوب يعمل بشوايتين وبضعة كراسٍ بلاستيكية وضعها في الخارج. ويتولى اربعة من أشقائه طهي الأكلات وخدمة الزبائن الذين يتابعون على شاشة تلفزيونية كبيرة مسلسلات تركية ولعبة طائرة للرجال.

دأب نامق على القول المرة تلو الأخرى خلال حديث دام ساعتين مع مراسل صحيفة واشنطن بوست على القول quot;لن اروي لكم كل شيء. ذات يوم سأقول كل شيء وقد أنشر كتابا وربما فيلما سينمائيا ولكنني لن اقول لكم كل شيءquot;.

ثم يبدأ الحديث.

يقول نامق إن عائلته او بالأحرى هو وشقيقه الذي رفض الحديث للصحيفة، ساعدا صدام على التنقل بين بيوت مختلفة في المنطقة بعد غزو 2003.

لم يستخدم صدام الهاتف على الاطلاق لأنه كان يعرف ان الأميركيين يتنصتون عليه، كما يقول نامق، مضيفا ان صدام كان يقرأ ويكتب الكثير من النثر والشعر، وأن الجنود الأميركيين الذين اعتقلوه صادروا كتاباته.

ويتابع نامق أن صدام كان يكاتب زوجته وبناته ولكنه لم يلتق بهن قط. وكان زواره الوحيدون ولديه عدي وقصي. ويقول نامق انه ساعد في ترتيب زياراتهما السرية إلى مزرعته.

وبث صدام خطابات نارية حين كان مختفيا يستنهض مؤيديه لقتال الأميركيين. ويقول نامق انه وصدام سجلا هذه الخطابات معا على آلة تسجيل صغيرة. وإذ كان نامق يعرف ان الأميركيين يحللون التسجيلات لالتقاط مفاتيح تدلهم إلى صدام فانه ذات مرة قطع 16 كلم بسيارته إلى مدينة سامراء حيث توقف على جانب الطريق وسجل أصوات حركة السير في المدينة.

وقال نامق quot;كنتُ أُريد ان أدوّخ الأميركيين وأشوشهمquot;.

من الواضح ان نامق ما زال يحترم صدام الذي أُعدم شنقا عام 2006.

ويقول quot;إن صدام كان يعرف انه سيُعتقل ويُعدم ذات يوم. وفي قرارة نفسه كان يعرف ان كل شيء انتهى وانه لم يعد رئيسا، لذا بدأ شيئا جديدا هو الجهاد ضد المحتلين، فضحّى بكل ما يملك، بما في ذلك نجلاه من اجل الوطنquot;، على حد تعبير نامق.

علاء نامق افتتح مطعما له في منطقة الدور

ويروي نامق انه عندما اعتُقل في سجن ابو غريب، كان جنود اميركيون بينهم محققة قالت له انه يشبه الممثل توم سيليك، يستجوبونه كل يوم عن أسلحة الدمار الشامل وأماكن اختفاء معاوني صدام الكبار. وكانت زنزانته مظلمة 24 ساعة في اليوم.

وكان الحراس يرشقون دلاء من الماء في الزنزانة لإبقائها رطبة طول الوقت. ويقول نامق ان غطاء وُضع على رأسه وتعرض لضرب السجانين وعض كلاب الحراس. وأُخضع لعمليات إعدام وهمية وموسيقى روك صاخبة تصم الآذان.

ويقول نامق دون أي أثر للفكاهة في صوته الغليظ quot;كنتُ اتحمل الكلاب والتعذيب ولكني لم أطق تلك الموسيقىquot;.

وقال متحدث باسم قيادة القوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط إنه من الصعب العودة إلى ملفات السجناء الأفراد الذين كانوا في ابو غريب عام 2003 ولهذا السبب لم يتمكن المسؤولون العسكريون من تأكيد اعتقال نامق أو احتجازه في السجن.

وقال متحدث باسم قيادة العمليات الخاصة الأميركية ان غالبية المعلومات المتعلقة بإلقاء القبض على صدام ما زالت مصنفة.

ونقل خليل الدليمي محامي صدام عن موكله في كتاب نشره عام 2009 ان صدام كان يعرف عائلة نامق منذ عام 1959 وانهم أخفوه عندهم. ويُتَّهم قيس نامق في الكتاب بإرشاد الأميركيين إلى صدام في النهاية ولكن علاء نامق ينفي ذلك بشدة.

واصبحت عائلة نامق عائلة مرموقة في قضاء الدور لإيوائها رجلا من أبناء عشائرها ما زال كثيرون يحبونه هنا.

وقال عقيد الشرطة محمد حسن الذي يعمل في قضاء الدور quot;نحن نعتبر ذلك عملا بطوليا وهو عمل لا يخص عائلته وحدها بل يمثل جميع أهل الدور لأن هذه البلدة احتضنت صدامquot;.

وأكد العقيد حسين انه لو كانت مشاعر اهل منطقة الدور غير ذلك، لما تمكنت عائلة نامق من الاستمرار في العيش هنا. وقال إن افراد العائلة أصلا ناس محترمون لأنهم عملوا سنوات طهاة وصيادين لدى صدام. quot;والآن يحترم أهل الدور هذه العائلة ويقدرونها حتى أكثر من ذي قبلquot;.

دُفن صدام حسين في قرية العوجة مسقط رأسه، قرب الدور. وإذ ادرك رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الشعبية التي ما زال دكتاتور العراق السابق يتمتع بها في هذه المنطقة، فانه أمر بغلق مدفنه للجمهور كي لا يتحول إلى مزار.

وفي المزرعة التي اعتُقل فيها صدام، ما زالت الحفرة او quot;بيت العنكبوتquot; موجودة تحت نخلة، تغطيها بلاطة اسمنتية، منسيةً تحت أقفاص قذرة مليئة بالحمائم والببغاوات.

وتسرح في المزرعة الكلاب والفراخ فيما تسبح أسماك شبوط ضخمة في بركتين. وفي مساء منتصف صيف العراق كانت انسام قوية تهب بين اوراق الشجر فتتساقط حبوب الكمثرى الصغيرة كأنها قطرات من المطر.

وعلى الجانب الآخر من الطريق حيث يوجد مطعمه، يستأذن نامق وينهض متنقلا بين الموائد في الباحة الترابية يحيي الزبائن الذين يعرفونه كلهم بالاسم.