تزايد ظاهرة تسرب التلاميذ من المدارس العراقية يدفع الخبراء إلى دق ناقوس الخطر،كون هؤلاء الأطفال هم مشاريع مستقبلية للجريمة والفقر،فالمدرسةلا توفر التعليم فحسب، بل التربية أيضًا كما تنظم وقت الفرد وتوجه أفكاره وتصقل طموحاته.
بغداد: يقلق تربويون وأسر عراقية من ظاهرة تسرب الطلاب والتلاميذ من المدارس التي أخذت في التزايد في الآونة الأخيرة حيث تبدو المشكلة مثيرة للانتباه لأنها تزدهر في ظروف اصبحت للشهادة العلمية فيها قيمة في المجتمع، كما أن تطور وسائل الاتصال من موبايل وانترنت وفضائيات من المفترض أن يحد من الظاهرة ويشجع الشباب والفتيان على مواصلة الدراسة لضمان مستقبل جيد.
لكن الباحث التربوي احمد عيدان (مفتش تربوي متقاعد) يرى العكس، إذ إن الفضائيات والحواسيب والموبايل ووسائل الاتصال الأخرى، تأخذ حيزًا كبيرًا من اهتمام الطالب والتلميذ وتشجعه على ترك المدرسة.
فجوة في العملية التربوية
اطفال عراقيون متسربون من المدرسة من اجل العمل |
ويعترف عيدان أن الظاهرة تمثل اخطر الآفات، وهي فجوة في العملية التربوية لا يقتصر أثرها على الطالب، بل على تزايد معدلات الأمية والجهل والبطالة.
وبحسب احصائيات وزارة التربية، فإن حوالي سبعة ملايين و400 طالب وطالبة هم مسجلون في المراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية عام 2012، بينهم 250 ألف تلميذ جديد. ويعترف الفتى رحمن سلومي (14 سنة) أنه ترك المدرسة لغرض العمل في كراج غسيل للسيارات.
وتابع: quot;احتاج إلى العمل لإعالة أسرتي، إضافة إلى أنني أتخلص من أعباء الدراسة، فعندما ينتهي عملي أتوجه الى السوق والمقهى للتمتع بالوقت مع أصدقائيquot;.
لا حاجة الى المدرسة
ويؤكد سلومي أنه لا يحتاج إلى المدرسة، فما يحصل عليه من دخل (25 دولارًا في اليوم)، يكفي لإعالته.
ويربط الباحث عيدان بين ظاهرة التسرب من المدرسة وعمالة الأطفال، فيقول: انحراف الأحداث وانتشار ظواهر السرقة والبطالة وانتشار الفساد له علاقة بظاهرة عزوف الفتيان والشباب وحتى الأطفال عن المدرسة.
الشاب احمد حسن (16 سنة) ترك المدرسة، منذ نحو سنة ويعمل الآن في أحد المطاعم بدخل يومي يبلغ نحو 30 دولارًا، لا يجد في المدرسة طريقًا لبناء مستقبله لاسيما وأنه مقبل على الزواج.
وغالبًا ما يترافق ترك المدرسة والانخراط في سوق العمل من قبل الشباب والفتيان، إقبالهم على الزواج المبكر.
وفي هذا المجال، يقول عيدان إن عمالة الاطفال هي نتاج طبيعي لترك المدرسة، مما يشجع على استقلالهم اقتصاديًا، كما يشجع على ظاهرة الزواج المبكر التي ازدادت في العراق في السنتين الأخيرتين.
حاجة الى المال
لكن الفتى محمد صالح يرجع تركه المدرسة وعمله في بيع الجرائد على الارصفة وفي الأماكن المزدحمة الى ضعف الحالة المادية لأهله، مؤكدًا أنه ترك المدرسة بحثًا عن أعمال بأجور منخفضة بغية إعالة الأهل ومساعدتهم.
ويعرّف المعلم صالح هادي التلميذ المتسرب بأنه التلميذ الذي واظب على الدوام في المدرسة، لكنه تركها في سن مبكرة. ويرجع صالح العزوف عن الدراسة أو التسرب من المدارس إلى الفقر.
ويقول: quot;حاجة الأسر الكبيرة إلى مصدر العيش تضطرها إلى زج أطفالها في سوق العمل في سن مبكرةquot;.
وتقول ام حاتم التي تعيش مع اطفالها الخمسة بلا معيل: quot;ابني عادل يبلغ من العمر 13 سنة، ويعمل لساعات طويلة وبأجر زهيد وفي ظروف صعبة، لكن ليس لدي خيار آخرquot;.
لكنّ هناك سبباً آخر لترك المدرسة بحسب صالح حيث يرى أن المناطق التي لا تتوفر فيها مدارس كافية تشجع الطلاب على ترك المدرسة بسبب المسافة الطويلة التي يتوجب عليهم قطعها يوميًا مع غياب وسائل النقل المناسبة.
وفي الكثير من القرى وأطراف المدن، فإن تباعد المدارس الابتدائية عن الإعدادية، يشجع الطالب على عدم اكمال دراسته على الرغم منأنه نال شهادة ابتدائية وهذا ما يحصل في القرى والأرياف بصورة خاصة، لتحل خيارات أخرى محل الدراسة مثل الزواج المبكر وامتهان عمل معين.
مدارس قليلة
وتشير إحصاءات وزارة التربية إلى أن العراق بحاجة لسبعة آلاف بناية مدرسية جديدة ذات مواصفات جيدة للسنتين المقبلتين كحد أدنى، من أجل فك الازدواج في الدوام أو ما يعرف بالدوام الثلاثي المتبع في البلاد منذ عقود من الزمن.
لكن ام امين لا ترجع اسباب ترك ابنها المدرسة الى كل الأسباب الواردة الذكر، وتقول متألمة إن ابنها بطيء التعلم ويعاني من ضعف السمع والنطق مما جعله يترك المدرسة.
وتلقي ام امين اللوم على الجهات التربوية التي يجب أن توفر اساليب خاصة وأجواء مناسبة لأصحاب الحاجات الخاصة. وتشير المشاهدات والاستطلاعات التي اجرتها quot;إيلافquot; بين اطفال الشوارع إلى أن اغلبهم ترك المدرسة بسبب الفقر، أو بسبب افتقادهم إلى الأسرة.
وكانت مديرية تربية كربلاء أعلنت هذا الاسبوع عن (2315) متسرباً ومتسربة من المدارس، بالإضافة الى (4116) من التاركين والتاركات للدراسة في العام الدراسي2011ndash; 2012. وتقول مديرة التعليم الابتدائي في تربية المحافظة سعاد بريهي إن عدد الذكور المتسربين حوالي (1254) طالباً اما الاناث المتسربات من المدارس فعددهن (1061) طالبة.
غياب الخطط
ومقابل ذلك، فإن الباحثة التربوية لمياء خضر (معلمة متقاعدة) تستغرب غياب الخطط التي تكفل نشر الوعي وتضع الخطط لحث الطلاب على العودة إلى المدرسة.
وتؤكد خضر أن التسرب من المدارس يؤدي يومياً الى الكثير من المشاكل الاجتماعية، وأهمها جنوح الطفل أو الفتى أو الشاب عبر مرافقته للعاطلين عن العمل وغير المتعلمين.
ويعترف ليث حسن (14 سنة) ويبيع السجائر في تقاطعات الطرق في مدينة الحلة مركز محافظة بابل (100 كم جنوب بغداد) إنه بلا أسرة إذ فقد والديه منذ سنوات ويعيش متنقلاً بين عدة منازل وفي الدكاكين التي يعمل فيها احياناً، مؤكدًا أن ترك المدرسة منذ سنوات ولم يعد يستطيع فك الحرف.
الباحث الاجتماعي مجيد كاظم من جامعة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) يشير إلى أن اغلب اطفال الشوارع والمتسربين من المدارس يمثلون في الكثير من الاحيان مشروع فقر وجريمة مستقبلي.
ويؤيد ضابط الشرطة سعد الجبوري ذلك مؤكدًا أن اغلب جرائم الأحداث تحدث بين الشباب والفتيان التاركين للمدرسة في حين أن نسبة ضئيلة جدًا تحدث بين طلاب المدارس. و يتابع: quot;المدرسة لا توفر التعليم فحسب، بل التربية أيضًا كما تنظم وقت الفرد وتوجه أفكاره وتصقل طموحاتهquot;.
التعليقات