انتشرتشائعة غير بريئة بين العراقيين تنذر بقرب وفاة جميع الاطفال ما لم توضع الحناء على رؤوسهم، ويتبادل الناس حكاية تقول إن طفلاً حديث الولادة تكلم قبل وفاته قائلاً إن عاصفة ترابية شديدة ستهب على البلاد وستؤدي إلى موت جميع الاطفال إن لم يتم وضع الحناء على رؤوسهم. مراسلا quot;ايلافquot; في بغداد تتبعا اصل الشائعة ودوافعها وتحدثا الى مواطنين عاديين ومختصين ورجال دين خصوصًا مع ارتفاع اسعار الحناء الى مستويات قياسية.


بغداد:أدت شائعة اطلقها مجهولون الى بث القلق والرعب في نفوس الكثير من الناس بدأت اولاً في المحافظات الوسطى، وسرعان ما انتقلت تلك الشائعات الى بغداد التي وجد بعض اهلها أن الامر ليس اكثر من كذبة، ولكن هناك من راح يترجم ما أشيع الى حقيقة ويهرع الى الاسواق لشراء مادة (الحناء)، موضوع الشائعة الغريبة التي اكد البعض أنها ليست بريئة بل وراءها شبهات.

فقد وصل فايروس عدوى الحناء التي اشتعلت في محافظة النجف الى مدينة بغداد التي اصابت العدوى سكانها بالبحث عن الحناء وشرائها، وليس من المستغرب أن تفتح باب الحديث لتأتيك عشرات القصص والحكايات والآراء، وأصبحت ظاهرة نقش الايدي والارجل وشعر الرأس بالحناء لافتة للنظر لاسيما للذين اعمارهم اقل من 14 عامًا، فيما اشار الكثيرون أنها شائعة من اجل بيع كميات من الحناء ليس الا بعد أن اصابها الكساد.

التهافت على شراء الحناء يرفع اسعارها

يعود هذا الاقبال المتزايد على شراء الحناء في اغلب المحافظات الوسطى والجنوبية الى شائعة انتشرت في مدينة النجف تقول (إن طفلاً حديث الولادة تكلم قبل وفاته، وذكر في ما قاله إن عاصفة ترابية شديدة ستهب وستؤدي إلى موت جميع الاطفال إن لم يتم وضع الحناء على رؤوسهم)، وهو ما جعل الشائعة تنتشر في المحافظات المجاورة وقد أدت الى اختفاء تام للحناء مع ارتفاع اسعارها وتزايد الطلب عليها على الرغم من أن رجال الدين والاطباء اكدوا على عدم صحة مثل هذا اطلاقًا، فيما افاد بغداديون أن القضية لها علاقة بالتجّار بعد أن كسدت هذه البضاعة، فأطلقوا الشائعة لبيعها، مذكرين بقصة (الخمار الاسود) وذلك الشاعر الذي اراد أن يبيع ما لدى صديقه من خمر أسود فقالت قصيدته (قل للمليحة بالخمار الاسود/ ماذا فعلت بناسك متعبد)، وكيف أن البضاعة نفذت من دكان صاحبه بسرعة.

إشاعة في العراق ترفع سعر الحناء

وقالت طالبة في الصف الاول المتوسط إن امها اشترت كمية من الحناء وقامت بوضعها على رأسها وفي كفيها وقدميها، وكذلك الحال بالنسبة لإخوتها، بعد أن سمعت اخبارًا تقول إن من لا يضع الحناء على رؤوس اولاده فإنهم سيموتون قريبًا بعد أن تهب عاصفة ترابية على العراق، واضافت الطالبة أن امها سرعان ما نقلت ما سمعته الى نساء الجيران اللواتي انطلقن الى الاسواق لشراء الحناء.

وقالت زميلة لها: انا لم افعل مثل صديقتي لأن امي حاولت أن تفعل مثلما فعلت أم صديقتي لكن ابي اعترض ورفض وقال هذه خرافات وأن من اطلق هذه الكذبة يريد الناس أن تشتري الحناء.

وقالت امرأة : منذ أن سمعت بالخبر ركضت الى اقرب دكان عطار لشراء كمية من الحناء لاحني بها ابني الوحيد وبنات اختي، انا اخاف من هذه (السوالف) واعتقد احيانًا أنها صحيحة فأحاول أن quot;اكسر الشرquot; بأبسط شيء وهو أن اشتري الحناء وأحني بها الاولاد فالعملية بسيطة والمهم أنني لن اظل قلقة ويراودني الوسواس، وقد اوصت جارة لنا أن تذهب الى سوق الشورجة لتجلب لنا كمية جيدة.

شائعات لزرع الرعب

اكد علي اشرف كريم (مدرس ثانوية) أنّ هذه شائعات quot;اعتدنا عليها من ضعاف النفوس الذين يريدون أن يزرعوا الرعب والخوف في قلوب الناس مستغلين الوازع العاطفي لديهم والطيبة والسذاجة في اغلب الاحيان، والا فكيف يمكن لنا أن نصدق ونحن في القرن الحادي والعشرين أن طفلاً حديث الولادة نطق بشيء مرعب ومن ثم مات، من سمعه وفهم ما قاله، وكيف يمكن الانتباه الى رضيع والاصغاء اليه وهو يقول جملة طويلة، اعتقد أن وراء هذه الشائعات مغرضين، ولا اعتقد أن الغرض منها بيع مادة الحناء بل اعتقد أن هناك ما هو اخطر من هذا وعلى الحكومة ان تتصدى لمثل هذه الشائعات ولأصحابهاquot;.

محبطون وراء الاشاعة

الكاتب احمد البياتي يقول لـ(إيلاف): اعتقد أن هذه الشائعات يقف وراءها اناس محبطون يريدون أن ينقلوا احباطهم الى الناس، هؤلاء غرضهم ازعاج الناس اولاً ومن ثم اظهار المجتمع بمظهر المتخلف والجاهل لأنه يصدق مثل هذه الشائعة التي لا يصدقها عقل راجح، انا ارى أنها تذكرني بالشائعات التي كان يطلقها ازلام النظام السابق لاسباب مختلفة من بينها إلهاء الشعب عن معاناته، أو لغايات معينة، ربما سياسية أو تجارية ولكن الاخطر أن يكون خطرها صحيًا، يعني لا استبعد أن تغرق الاسواق العراقية بنوع من مادة الحناء غير صالح للاستخدام البشري، وهذا ما يؤدي الى اضرار بالصحة العامة، فهؤلاء يمكنهم استغلال اقبال الناس على الحناء بضخ كميات سيئة، انا اخشى من هذا ولا يهمني اذا ما اراد بعض التجار بيع الكميات التي لديهمquot;.

وأيدت المحامية زهراء جاسم ما ذهب اليه الكاتب البياتي بقولها: quot;ليست الخطورة في الشائعة أو في خوف الناس على ابنائهم لأن هذا شيء غريزي، وإن كنت ضد مثل هذه الشائعات جملة وتفصيلاً، الا أنني اخشى أن تكون وراءها مآرب تتعرض لصحة الانسان، لا اريد أن أخيف الناس ولكن النفس امارة بالسوء والعراق ما زال في دائرة الخطر ومن الممكن أن تقدم جهات تضمر العداء للشعب العراقي ببث مثل هذه الشائعة مستغلة الناس البسطاء ومن خلالها ضخ كميات من مادة الحناء ممزوجة بمواد سمية أو ما شابه، انا لا اؤمن بالخرافات ولا بالشائعات الغريبة ولكنني انصح الاهل الى توخي الحذر قبل أي تصرف يقومون بهquot;.

رجال الدين يفندون

رجل الدين الشيخ عباس الياسري يقول: لا توجد صحة لما قيل عن هذا الرضيع لأن الامر برمته عبارة عن خرافة يراد منها خلق ازمات وقلق لدى الناس واشغالهم بتوافه الامور ، لا يوجد طفل رضيع يتكلم لأن زمن المعجزات قد انتهى ، ولكن هنالك من يقوم على انشاء مثل هذه الشائعة لغايات انا اعتقد أن من اهمها اعطاء صورة سيئة عن المسلمين وانهم سذج وجهلة ولا يستخدمون العقل الذي ميزهم الله به وأن من الممكن أن تهز ايمانهم شائعة بسيطة ولا يتورعون في تمحيصها والتدقيق فيها كونها مقبولة من العقل أو لا.

ويضيف: في الحقيقة الامر ارى فيه سوءاً مقصوداً وعملية محبوكة للأذى واستفزازاً لمشاعر الناس ، بل هنالك دعوة صريحة إلى الاساءة للمذهب الشيعي تحديدًا كون الشائعة انطلقت من النجف الاشرف وليس من سواه من المدن التي لا تضم حوزات علمية أو مدارس فقهية، فهي لا تخلو من افكار خارجية تريد خلق نوع من الهزات في الثقة بالدين اولا ثم النفس وتعبر عن خواء في النفوس ، انا ادعو الناس الى التوكل على الله والتمسك به فهو الحافظ وعليهم أن يحكموا العقول وأن لا ينجرفوا وراء خزعبلات لها من يروجها لأسباب معينة.

تحذيرات quot;الطفل المعجزةquot;

على الرغم من أنالمصدر المقرب من مكتب المرجع الديني اية الله السيستاني في النجف (160 كم جنوبي بغداد) نفىخبرًا يفيد بأن المرجعية تنصح بتخضيب الاطفال بالحناء لمنع وباء محدق، فإن الكثير يستمر في شراء البودرة الخضراء. وكانت المرجعية أكدت عدم صحة اشاعات تفيد بأن الحناء سيمنع تفشي مرض خطير سيحل بالعراقيين مع هبوب العواصف الترابية.

الباحث الاجتماعي قاسم محمد يرصد الكثير من الخرافات والإشاعات السائدة الا أن اشراك ( المرجعية ) في خرافة الحناء، ساهم في منحها نوعًا من المصداقية وجعلها تنتشر بصورة اكبر مما هو متوقع.

مَنْ وراء الاشاعة؟

لا يستبعد قاسم أن يكون وراء الاشاعة تجار يحاولون تصريف بضاعتهم من الحناء، كما لا يستبعد أن تقف وراء هذه الاشاعة جهات معينة تحاول أن تسبب فوضى واضطراباً في المجتمع.

وعلى الرغم من نفي المرجعية فإن البعض مثل ام رسول ( 70 سنة ) مازالت تعتقد بصحة الواقعة مؤكدة أن شراء الحناء أمر لا بد منه لنتجنب عقابًا الهيًا يلحق بالعراقيين.

واعتاد العراقيون لاسيما في القرى والارياف على تخضيب اجزاء من جسمهم وكذلك الشعر بالحناء لأغراض طبية أو جمالية وفي المناسبات السعيدة مثل الاعراس والختان.

ويشير قاسم الى أن الكثير من صور الشعوذة موجودة داخل المجتمع وغالبًا ما تنتشر بفعل اناس (يعتاشون) عليها يعملون في مجال السحر.

كما تنتشر على أيد اناس لهم مصلحة في ذلك إما للترويج لبضاعة معينة أو كدعاية لمنتوج أو فكرة أو اعتقاد.

وتلجأ الكثيرات من النساء العراقيات بصورة خاصة الى مشعوذين وسحرة وقارئي كف للتنبؤ بالمستقبل والمصير.

ويؤكد ابو مسلم المياحي في النجف أن مادة الحناء نفذت من دكانه بسبب الاقبال الكبير عليها.

وفي مدينة الحلة (100كم جنوبي بغداد) خضبت ام حسن شعر اولادها الاربعة بالحناء خوفًا من انتقل الوباء اليهم. وتؤكد ام حسن أن بعض الاطفال اصيبوا فعلا بالوباء بسرعة لأنهم اهملوا الامر وعدوه اشاعة.

وعلى الرغم منأن ام حسن سمعت بخبر نفي المرجعية الدينية ذلك الا أنها تؤكد أن كثيرين ابلغوها أن المرجعية صرحت بذلك تحت ضغوط محلية وأجنبية.

الاشاعة والعواصف الترابية

وتربط ام حسن بين الاشاعة والعواصف الترابية، قائلة إنه لو كان الامر غير صحيح لما هبت العواصف.

وغالبًا ما تنتشر الاشاعات بين العراقيين غير المتعلمين لاسيما كبار السن منهم.

لكن ام ايوب ( 60 سنة ) تجزم أن صديقة لها رأت الطفل حديث الولادة يتكلم محذرًا من الوباء.

وبحسب ام ايوب فإن الطفل نصح بالحناء والتمسك بالرموز والمقدسات الدينية لغرض تجنب الوباء.

لكن الباحث قاسم يدحض فكرة أن الاشاعة ولدت اعتباطًا، ويشير الى أنه تتبع مصدر الاشاعة وتبين أن احد رجال الدين روى في مسجد قصة الطفل المعجزة لتنتشر الحكاية بين الناس انتشار النار في الهشيم.

ويدعو قاسم المرجعيات الدينية الى التصدي لمثل هذه الاشاعات، لاسيما اذا كانت تصدر من بعض رجال الدين بقصد أو ومن دونه.

ويعتقد قاسم أن رجل الدين سرد الحكاية بدافع حسن النية مؤكدًا أن حسن النية لا يكفي في مثل هذه المواقف وأنه يتوجب التفكير دائمًا في نتائج ما يقال لاسيما في المحافل الاجتماعية والدينية والسياسية لانه غالبًا ما تتولد عبر هذه المحافل ردة فعل جمعية وحتى مذهبية وليس تصرفًا فرديًا.

لكن رجل الدين حسين كريم (امام مسجد) يدحض اشاعة الخرافة وينتقد الذين يعملون بها، ويقول إن ذلك ناتج عن عدم التمسك بجوهر الدين والتشبث بالقشور فحسب.

وقبل الشائعة كان فياض الياسري في كربلاء(108 كم جنوب غربي بغداد) يبيع كيس الحناء بسعر 1700 دينار، لكن السعر يصل اليوم الى نحو سبعة آلاف دينار عراقي.

من جانيه يرى سعدون حسين الباحث في شؤون الاديان أن الكثير من الناس ممن لم يتلقوا تعليمًا يحملون افكارًا غيبية من دون ايمان حقيقي.

الازمات

وكانت لجنة الاوقاف والشؤون الدينية في مجلس النواب العراقي أرجعت انتشار مثل هذه الاشاعات الى جهات خارجية وداخلية لإثارة الشعوذة والاضطراب بين المجتمع.

ولا يستغرب الباحث قاسم مثل هذه الخرافة، لأن الحياة اليومية تشهد الكثير من مثل هذه الحكايات، ففي العام الماضي شاع بين العراقيين ظهور شخصية دينية مقدسة حيث يجزم البعض أنه رأى تلك الشخصية.

وفي العام 2010 يقص البعض حكايات عن رؤية الكثيرين لسيف شخصية مقدسة في السماء.

وتُرجع دراسات انتشار الخرافة في العراق والكثير من المجتمعات الى الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حيث تجد طريقها حتى الى أذهان المتعلمين.

كما يلجأ البعض الى السحرة وفتاحي الفال لاعتقادهم بممارسات خرافية ناتجة عن تأثيرات نفسية ولّدتها الحروب وسنوات الفوضى الامنية والاجتماعية.

ويشير الباحث في التاريخ كمال موفق الى أن هناك الكثير من الاشاعات تصدر بشكل متعمد وليست نتاج العفوية، بل تحوكها قوى متنفذة في المجتمعات المتخلفة تستخدم اساليب مدروسة مثل الاتجار بالدين وتسخيره لخدمة مصالح شخصية أو فئوية.

ويعتقد موفق أن اشاعة الحناء هي نتاج تحالف منتفعين يسخرون الخرافة لأجل التربح عبر اتفاقات مع تجار وآخرين يمتلكون منابر توصل الخرافة الى اكبر عدد ممكن من الجماهير.