يتحول المسحوق البني للحنّاء، الذي يكتسب ألوان الاخضرار، على يد أمينة حسن في النجف (160 كم جنوب بغداد) إلى عجينة طرية هي في نظر الكثير من العراقيات بديل مناسب من مستحضرات التجميل وعلاج فعال لكثير من الأمراض.


بينما تعد أمينة حسن ورفيقاتها العجينة لتخضيب شعر الرأس وباطن الكفين، فإن الحاج أمين لا يجد ضررًاقد ينتج منطلي اللحية والشارب بالحناء.

وبحسب الحاج أمين، فإن رجال العراق تعودوا منذ أزمان سحيقة على صبغ شعرهم ولحاهم بالحناء. ويتابع: هذا التقليد العريق ما زال صامدًا إلى الآن أمام ظهورصبغات الشعر، حيث يشيع بشكل رئيس اليوم في المناسبات. ويضيف: يحرص الكثير من العوائل، لاسيما في الريف، على استخدام الحناء كمظهر للزينة، إضافة إلى استخدامها كشفاء لبعض الأمراض الجلدية، وكمرهم لتقوية الشعر.

يؤكد بائع الأعشاب حميد الكعبي أن الحناء ذات فائدة كبيرة في شفاء أوجاع الرأس، بعد أنتخلط بالخلّ. ويبيع الكعبي الحناء أيضًا كمرهم لعلاج الأورام. كما تستخدم أم كريم في الكاظمية في بغداد المشهورة بقدراتها العلاجية في إزالة المواد الغريبة من العين، وعلاج أوجاع الرأس والظهر، وتستخدم الحناء مخلوطة ببعض الزيت النباتي وقليل من الليمون والخلّ لعلاج حالات الصداع.

ويؤكد أحمد شاكر كيف أن مسح جبهته وصدغيه بهذا الخليط أزال عنه أوجاع الرأس التي يشكو منها. وتشتري لمياء الدليمي، وهي صاحبة صالون تجميل، بودرة الحناء كمادة تجميلية لتنعيم الجلد، وصقل كعوب القدمين، بعد خلطها بمادة quot;الصبرquot;.

وبدلاً من استخدام طلاء الشعر الحاوي على مواد كيمياوية مضرّة، يشيع بين نساء العراق، مزج الحناء بمسحوق (جوزة بوي) الأخضر، لإكساب الشعر لونًا ذهبيًا. وبحسب الدليمي، فإن هذا الخليط يكثّف الشعر، ويمنع ظهور القشرة.

يصف رؤوف القيسي تاجر الأعشاب الطبية، ويمتلك خبرة في زراعة الأنواع النادرة منها، أن شجرة الحناء تعمّر نحو عشر سنوات، حيث تجني الأوراق أربع مرات في السنة. ويصف القيسي طريقة تحضير مسحوق الحناء عبر مراحل، تبدأ أولاً بتجفيف الورق، ثم يدق، ويسحق، للحصول على النعومة المطلوبة.

زراعة الحناء

تزرع الحناء في العراق بشكل رئيس في البصرة (545 كم جنوب بغداد) في منطقة الفاو، حيث درجات الحرارة العالية والجو الرطب، الذي يساعد على نمو هذه الشجيرات العطرية المعروفة بزهورها البيضاء.

وأدت التغيرات المناخية المتمثلة في الرطوبة النسبية، والارتفاع غير المناسب في درجات الحرارة خلال فصل الصيف إلى تلاشي زراعة الحناء. ويقول العشاب كريم الوائلي إنمعظم المواطنين يلجأون إلى الحناء لعلاج الالتهابات الجلدية، وقروح اللثة والفم. كما يستخدمه بعض الرجال كمقوٍّ لعضلات العضو التناسلي، حيث تدهن المناطق الحساسة بالخضاب الأخضر.

يروي الوائلي كيف شفى زبونًا له، يدعى كريم شبانة، من حروق جلدية عميقة، بعدما عجزت المراهم الطبية التقليدية عن علاجه. ويضيف: بناء على نصيحة أحد تجار الأعشاب الإيرانيين، طليت مناطق الحروق بالحناء لمدة شهر، لتشفى بنسبة كبيرة.

وبحسب تقارير علمية، فإن الحنّاء تحتوي على مضادات للجراثيم. واستخدام الحناء من قبل العراقيين منذ زمن بعيد يعود إلى فترة الحكم العباسي، حين كان الرجال والنساء يستعملونها لصبغ الرأس والذقن وعلاج الأمراض الجلدية، إضافة إلى استخدامها كمادة للزينة، لاسيما عند النساء.

زينة وتجميل

في بادية النجف، يشير العطار جمعة محيبس إلى رواجها بين أهل الحضر والريف، لأغراض الزينة أيضًا، حيث ترسم الزخارف على الكفوف ومناطق الجسد، لاسيما في مناسبات الأفراح.

يبيع محيبس نحو بضعة كيلوهات من مسحوق الحناء أسبوعيًا إلى أهل البادية، حيث يقبل عليه البدو هناك، لاستخدامه في الوشم على الأجساد والأرجل. ولكي تتخلص نساء البادية من الرائحة المنفرة للحناء، فإنها تخلط ببعض الروائح والمعطرات النباتية الطبيعية.

ويقول محيبس إن مستحضرات التجميل على أنواعها لم تنل ثقة المستهلك قدر ثقته بالحناء.

أما رسمي حميد فيؤكد أن بعض التجار يفسد الحناء عبر خلطها بمساحيق نباتية رخيصة، لغرض جني المزيد من الأرباح عن طريق الغش.

وبحسب العشاب محيبس، فإن ارتفاع أسعار الحناء يعود إلى عدم توفرها بالشكل الكافي، حيث انحسرت زراعتها في قضاء الفاو في البصرة، بسبب عزوف المزارعين عنها، لارتفاع الملوحة في تلك المناطق. وتفضل غالبيةالعراقيين الحناء المحلية (حناء الفاو) على الحناء المستوردة، التي تكون أقل جودة وكفاءة.