الكتلة السوداء، أو quot;البلاك بلوكquot; هو الاسم الذي اختاره مصريون لأنفسهم في إطار مهام سرية يقومون بها، وربما ينتمون إلى تنظيم سياسي منظم غير معلن لا يمت بأي صله للمتظاهرين المنتمين لتيارات سياسية مختلفة.


القاهرة: بينما كانت الأمور تسير بهدوء أمام قصر الاتحادية الرئاسي، شرق القاهرة، حيث يتظاهر المئات أمام السلك الشائك الذي وضعه الأمن لحماية إحدى بوابات القصر.. ظهر فجأة مجموعة من الشباب يرتدون الأقنعة السوداء قاموا بمحاولات لإزالة الأسلاك، وكانت هذه هي الشرارة التي أشعلت الأحداث، لينصرف بعدها هؤلاء الشباب ويتركون الأمن في مواجهة المتظاهرين.

هذا المشهد الذي كان مراسل الأناضول شاهدًا عليه بالأمس الجمعة، يلخص أسلوب عمل هؤلاء الشباب، الذي يقوم كما تقول سالي المهدي أستاذ علم الاجتماع السياسي، على تفجير الأوضاع، ثم الانصراف بعد تحقيق هذا الهدف.
وينتمي هؤلاء الشباب الذين يسمون أنفسهم باسم الكتلة السوداء أو quot;البلاك بلوكquot; إلى تنظيم سياسي منظم غير معلن لا يمت بأي صله للمتظاهرين المنتمين لتيارات سياسية مختلفة، بحسب المهدي التي تضيف: quot;طريقة اشتباكهم بشكل منظم، ثم انصرافهم ndash; أيضا ndash; بنفس التنظيم، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هناك من يحركهمquot;.
ولم يكن ظهور هؤلاء الشباب قاصرًا فقط على قصر الاتحادية، بل إنهم كانوا طرفًا مهمًا في أحداث العنف التي شهدتها الإسكندرية، شمال مصر، أمس؛ حيث قطعوا طريق الكورنيش بالإسكندرية أمام مسجد القائد إبراهيم، كما قطعوا أيضًا طريق الترام.
وقبلها نظّموا مسيرة من ميدان طلعت حرب إلى ميدان التحرير، يوم الخميس الماضي، قبل الاحتفال بذكرى الثورة، واتجهوا إلى الجدار العازل الموجود في مدخل شارع قصر العيني، المطل على الميدان، حيث ألقوا القنابل الحارقة على قوات الأمن المتواجدة خلف الجدار بالقرب من مبنى مجلس الشورى، ليتسببوا في الاشتباكات الدائرة حتى الآن بين قوات الأمن والمحتجين، كما قاموا ndash; أيضا ndash; بالهجوم على مقر موقع إخوان أون لاين، الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين.
ورغم تعدد هذه الأحداث فإن الأمن لم يقدم معلومة حتى الآن حول ماهية هؤلاء الشباب، وهو ما دفع أستاذ علم الاجتماع السياسي إلى وضع علامة استفهام كبيرة حول مدى كفاءة الأمن المصري في هذه المرحلة.
علامة الاستفهام التي وضعتها المهدي تجد تفسيرًا عند الخبير الأمني اللواء السابق مجدي البسيوني، الذي قال: quot;نحن أمام خيارين، إما أن هؤلاء الشباب لهم قيادة منظمة، أو أنهم يقلدون الغرب تقليدًا أعمى ويبدو الحسم غير ممكنًاquot;.
وأغلب الظن، كما ذهب البسيوني، أن سلاح هؤلاء الشباب يكمن في كونهم مجهولين، فهم في الغالب لا يحملون بطاقات هوية بحيث يسهل التعرف عليهم إذا وقعوا في قبضة الأمن، ومن ناحية أخرى فهم يتخفون خلف القناع، وبالتالي يصعب تصويرهم خلال الأحداث.
وبداية فك اللغز - بحسب بسيوني - هو إصدار تشريع يحظر ارتداء هذه الملابس، ويعطي رجل الأمن حق القبض على أي شخص يرتديه، حتى ولو لم يرتكب أي جريمة، تماما كما يفعل مع أي شخص لا يحمل بطاقة هوية.
ولا يحتاج الأمر لقانون وفق الخبير الأمني اللواء السابق محمد نور، الذي قال لمراسل الأناضول: quot;نحن أصبحنا في وقت (قانون القوة)، وليس (قوة القانون)، وهو ظرف مناسب جدا لظهور هؤلاء الشباب الذين يشكلون بأسلوب عملهم ما يشبه (الميلشيات)quot;.
ويميل نور إلى ترجيح انتماء هؤلاء الشباب لحركات سياسية قائمة، وهي وسيلة يرسلون بها رسالة للتيارات الإسلامية على أنهم قادرون على تشكيل quot;ميليشياتquot; لمبادلة quot;العنف بالعنفquot;.
والتمس الخبير الأمني العذر لأجهزة الأمن في عدم كشفها عن حقيقة هؤلاء الشباب حتى الآن، مشيرًا إلى أن الأمر ليس بالسهولة المتصورة؛ لأن هؤلاء الشباب لا يظهرون إلا وسط الزحام، يشعلون الأحداث، ثم يخلعون الأقنعة فيذوبون وسط الجماهير.
ويتوقع نور المزيد من الاضطرابات التي يحدثها شباب quot;البلاك بلوكquot;؛ quot;لأن ظهورهم يرتبط بوجود بؤر ساخنة ومشتعلة، ومصر أصبحت كلها على صفيح ساخنquot;.
وكانت فكرة quot;البلاك بلوكquot; قد ظهرت في ألمانيا عام 1980 ردًا على قمع الشرطة لمتظاهرين يساريين، وظهروا بعد ذلك في مظاهرات شهدتها أمريكا عام 1991 اعتراضًا على حرب الخليج الثانية، وفي لندن عام 2011 اعتراضًا على خطة التقشف التي أقرّتها الحكومة.
وخطورة هذه المجموعة أنها تؤمن بالعنف ويستخدمون قنابل المولوتوف والحجارة ويميلون لتخريب الممتلكات العامة والدخول في حرب شوارع مع الأمن، وهم فوق كل ذلك لديهم خبرة في الإسعافات الأولوية لتقديم العون الطبي لمن يصاب منهم.