لم تحتفل مصر بالذكرى الثانية لثورتها بالألعاب النارية أو المهرجانات الموسيقية، وانما بالقنابل المسيلة للدموع والحجارة ونيران الأسلحة والغضب، في عنف يؤشر إلى مخاض سياسي عسير، بانتظار أن تنجز مصر المرحلة الانتقالية التي تمر بها.


يرى مراقبون أن جذور الاضطرابات، التي أشعلت شرارتها الذكرى الثانية للثورة وقرار محكمة في قضية ستاد بورسعيد، تمتد أعمق من هذه الأسباب الظاهرة، إلى استمرار فشل الطبقة السياسية الجديدة في بناء توافقٍ بين القوى السياسية المصرية، يمهد الطريق للاصلاحات التي تحتاجها مصر، ولتعزيز الثقة بمؤسسات الدولة.
ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن عماد شاهين، استاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، قوله: quot;هذا من أسوأ السيناريوهات لعمليتنا الانتقاليةquot;، واصفًا المحصلة حتى الآن بانعدام القانون والنظام وعجز النخب السياسية عن السيطرة على الناشطين والفاعلين والعنف.
ويبدو أن الرئيس محمد مرسي والمعارضة الليبرالية أُصيبا بالصمم، فلم يسمعا إنذارات الغليان السياسي في الشارع المصري. فاتهم حلفاء مرسي قوى خارجية وأيادي خفية وبلطجية مأجورين بالتسبب بما حدث خلال الأيام الماضية. وكاد رد فعل جبهة الانقاذ الوطني أن يكون أسوأ. فبدلًا من ادانة العنف والدعوة إلى السلام، أصدرت قائمة من المطالب والشروط مقابل مشاركتها في الانتخابات البرلمانية المقبلة، في موقفاعتبره كثيرون انتهازيًا سياسيًا صارخًا.

مرسي فرّط بشعبيته

في الشارع المصري، صارت مطالب المحتجين فضفاضة، وصار اللاعبون مجهولين. كما تراجعت روح الثورة بألوانها الزاهية وطابعها المدني أمام محتجين ملثمين من جماعة بلاك بلوك، وصلوا إلى ميدان القاهرة ليل الخميس الماضي وهم على أهبة الاستعداد لمواجهة قوات الشرطة المصرية. وازداد المشهد السياسي، الذي يتسم بالاستقطاب اصلًا، تشظيًا بظهور مجموعات غامضة استغلت فراغ السلطة.
ويتفق غالبية المراقبين على أن اجراءات الاخوان المسلمين هي السبب في الأزمة الحالية، التي سدت أي افق لتحقيق الانتعاش الاقتصادي في وقت قريب. فبعد فوز مرسي بالرئاسة، وتفوقه بالحيلة على المجلس العسكري الذي كان مهيمنًا وقتذاك، فرّط الرئيس المصري بما حققه من رصيد شعبي حين اصدر اعلانه الدستوري مانحًا نفسه سلطات مطلقة، وحين مرر مسودة الدستور التي تمت صياغتها على عجل، في استفتاء شارك فيه 32 في المئة فقط من الناخبين.
وتبددت بهذه الخطوات أي ثقة نالها مرسي وحلفاؤه، وشعر الثوريون واليساريون والليبراليون، الذين ضمنوا لمرسي الفوز على منافسه الموالي للرئيس المخلوع مبارك، أن الرئيس خدعهم فاستشاطوا غضبًا.

أساليب مبارك

لا يكفي الفوز في انتخابات رئاسية لتحقيق التوافق السياسي، الذي يشكل عنصرًا اساسيًا لاصلاح النظام القضائي والأجهزة الأمنية والخدمات الصحية والتعليم التي أكلها اهمال وفساد أعوان مبارك، فأحالوها هياكل فارغة من أي محتوى، بدلًا من أن تكون مفاصل حيوية في الدولة.
وتبدَّى الطابع الملح لهذه القضية بأسطع اشكاله في قرارات المحكمة في قضية ستاد بورسعيدـ التي كشفت عن هشاشة القضاء. وبصرف النظر عن عدالة الأحكام الصادرة، فإن جلسات المحكمة أُحيطت بسرية غير مفهومة، بما في ذلك عقدها في القاهرة بدلًا من بوسعيد حيث وقعت المأساة. كما أن هذا القضاء لم يسجن مسؤولًا أمنيًا واحدًا بتهمة المساهمة في قتل نحو 800 مصري خلال الثورة، أو في قتل 72 شخصًا في ستاد بورسعيد في العام الماضي.
وفي غياب اصلاح مؤسسات مثل القضاء وعدم تجديد الشرعية الشعبية لهذه المؤسسات، تلجأ الدولة إلى الأساليب نفسها التي استخدمها مبارك لإعادة فرض النظام. ونقلت فايننشال تايمز عن مايكل حنا، من مؤسسة سينتشري للأبحاث في نيويورك قوله: quot;توافرت الفرصة بعد الثورة لاصلاح النظام، الذي كان يحتاج إلى تضامن سياسي سرعان ما تفكك بعد سقوط مبارك، والآن هناك أزمة سياسية وشرعية، والدولة تقلصتquot;.