قدمت الرقصة الدبلوماسية التي بدأتها الولايات المتحدة المتحدة مع إيران خدمة لنظام الملالي لم يكن يحلم بها. ويرى مراقبون أن إيران اكتسبت ثقة متجددة بنفسها، رغم أن خطوات ملموسة لم تُتخذ حتى الآن لرفع العقوبات التي تقصم ظهر الاقتصاد الإيراني.


أسفرالتخبط السياسي في تعامل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين مع التطورات العاصفة في المنطقة العربية عن مفارقة تمثلت في تحويل الهجوم الكيميائي، الذي شنته قوات النظام السوري على مناطق تحت سيطرة المعارضة شمال شرق دمشق في 21 آب/أغسطس، إلى فرصة للتقارب مع إيران، بدلًا من محاسبة نظام بشار الأسد على جريمته.

ويعتبر هذا التقارب أهم - بنظر الإدارة الأميركية - من تداعيات الحرب السورية، وهو ينسجم مع نفور الرئيس باراك أوباما من أي دور عسكري أميركي في الشرق الأوسط الأوسع بعد أفغانستان والعراق.

انعكاسات الغزل الدبلوماسي
وإذا كان جرد ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيميائية ثم تدميرها نتيجة اتفاق روسي ـ أميركي، فإن التقارب الأميركي مع إيران، الذي جاء ناتجًا عرضيًا لهذا الاتفاق، يلقي بظلاله الآن على سوريا والمنطقة عمومًا.

في هذه الأجواء، بدأت المواقف تتغير من النظام الإيراني مع انطلاق الغزل الدبلوماسي بين واشنطن وطهران. وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني مهّد لهذه الأجواء بحملة علاقات عامة نجحت في تقديم صورة عن إيران تختلف اختلافًا كبيرًا عن صورتها في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد.

وأُنيطت بالرئيس روحاني مهمة كسر الحصار، الذي تقوده الولايات المتحدة، من خلال التفاوض بشأن البرنامج النووي الإيراني، وصولًا إلى اتفاق يسمح لإيران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم، مقابل ضمانات يمكن التحقق منها بأن لا تسعى طهران إلى إنتاج سلاح نووي.

لكن إذا لم يتمكن روحاني من تقديم مكاسب ملموسة في مسعاه المدعوم حتى الآن من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، فإن المصالح الخاصة لمراكز القوى المحافظة في نظام الملالي ستتكفل بتحجيمه وإفهامه بأن الكلمة الأخيرة في النظام الإيراني ليست لرئيس الجمهورية. وشهدت الأيام الأخيرة غلق صحيفة quot;بهارquot; الإصلاحية لنشرها مقالة عن الإمام علي بن أبي طالب، فُسّرت على أنها انتقاد مبطن لسلطات المرشد الأعلى.

انطلاقة نفطية
وتتحرك القيادة الإيرانية الآن بثقة رغم كل التحديات بفضل التقارب الأميركي معها. فالعقوبات خفضت صادرات إيران النفطية بنحو 50 في المئة، ولكن طهران تعكف على إعداد ما تقول إنها عقود مغرية لاستدراج كبرى شركات النفط الأميركية والأوروبية إلى استثمار 100 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة في صناعة النفط الإيرانية المتهالكة.

كما تمكن النظام الإيراني من تعزيز مواقعه في لبنان، من خلال حزب الله، وفي العراق من خلال حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، التي تسيطر عليها أحزاب شيعية تواجه استياء شعبيًا واسعًا.

أسفر تردد الغرب وتخبطه بشأن سوريا، تاركًا قوى خليجية مثل العربية السعودية وحدها تتولى دعم المعارضة بأي شكل ذي معنى، أسفر عن تبدد مصداقية الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في المنطقة، وإيجاد تربة خصبة لصعود الحركات الجهادية من سوريا مرورًا بلبنان إلى العراق. وكانت إيران الرابح الأكبر في المحصلة النهائية بعد انهيار سمعتها بين العرب التواقين إلى الديمقراطية، حين أقدمت على قمع حركة المعارضة الخضراء في أعقاب الانتخابات الرئاسية عام 2009، وتعاطت طائفيًا مع ثورات الربيع العربي.

ويؤكد مراقبون أن هذا كله أدى إلى تغيير ميزان القوى لمصلحة إيران، مشيرين إلى استغاثة حكومة المالكي بطهران في مواجهة التهديد الجهادي عبر الحدود العراقية ـ السورية ودور إيران الحاسم في سوريا. وفي هذا الشأن، نقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن دبلوماسي غربي في دمشق قوله quot;الجميع يقرّ الآن بأن بشار الأسد يعتمد اعتمادًا تامًا على إيرانquot;.

غضب حلفاء أميركا
تبدى التغيير الذي حدث في حظوظ إيران بعد عزلتها الخانقة بأسطع أشكاله في ردود الأفعال الغاضبة من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وخاصة الخليج، على قرار أوباما مكافأة الأسد، من خلال الاعتراف به طرفًا أساسيًا في مؤتمر جنيف ـ 2، بدلًا من معاقبته على الهجوم الكيميائي، والسعي إلى التقارب مع إيران.

وقالت مصادر دبلوماسية لصحيفة فايننشيال تايمز إن المحادثات النووية في جنيف بين إيران ومجموعة القوى الدولية الست كانت الأكثر جوهرية حتى الآن من كل الجولات السابقة.

ولم تتخلف إيران عن استغلال الواقع الجديد، مطالبة بحقها في امتلاك ناصية التكنولوجيا النووية والردع النووي الضمني، الذي يقترن بالقدرة على إنتاج الوقود النووي وما يترتب على ذلك من اعتراف بموقعها كقوة إقليمية لها مصالح ومناطق نفوذ. وكتب روحاني في صحيفة واشنطن بوست أخيرًا أن إتقان دورة الوقود النووي يتعلق بهوية الإيرانيين كأمّة quot;ومن دون فهم دور الهوية ستبقى قضايا عديدة نواجهها جميعًا بدون حلquot;.