رغم الإشادات الكثيرة بالدستور التونسي الجديد الذي يعمل البرلمان حاليا على المصادقة على فصوله، مثّل إقرار عقوبة الإعدام في أحد فصول الدستور، نقطة سوداء خلفت استياء المعارضة العلمانية ومنظمات المجتمع المدني، ورئاسة الجمهورية.
مجدي الورفلي من تونس: تتواصل في تونس المصادقة بندا بندا، بالتّوافق، على الدستور الذي يوصف إلى حدّ السّاعة بأنّه quot;إنجاز تاريخي وسابقة في المنطقة العربيّةquot;، وبأنّه يؤسّس لدولة مدنيّة ديمقراطيّة تضمن كل الحريّات خاصّة بعد مصادقة البرلمان على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وفرض تكافؤ عدد الرجال والنساء في المجالس المنتخبة ومنع التّكفير وضمان حريّة الضّمير والمعتقد.
في المقابل، صاحب هذا الرضى على الفصول التي تمّت المصادقة عليها، موجة من الاستياء الشديد من الإبقاء على عقوبة الإعدام في دستور تونس الجديد، تحديدا في صفوف نوّاب المعارضة وعدد من منظّمات المجتمع المدني بلغ حدّ إعتبار المحافظة على هذه العقوبة quot;نقطة سوداء لطّخت دستور الجمهوريّة الثانيةquot; خاصة أنه كان من المنتظر أن يقع التخلّي عن هذه العقوبة بعد ثورة 14 يناير 2011.
الرّئيس يتأسّف
الرئيس محمد المنصف المرزوقي عبّر في بيان عن quot;عميق أسفه للإبقاء على عقوبة الإعدام بعدم تغيير الفصل 21 من الدستور الجديد للبلادquot;، واعتبر أنه quot;كان بالإمكان التخلي عن عقوبة الإعدام نظرا لسوء استخدامها على مر التاريخ خاصة وأن الكثير من الدراسات أظهرت حصول عديد الأخطاء القضائية غير القابلة للتدارك في هذه المادةquot;.
وفقا لما ورد في البيان الذي أصدرته رئاسة الجمهورية فإنّ quot;الفصل 21 من الدستور الجديد لن يسمح لتونس بأن تصنف ضمن قائمة البلدان الديمقراطية التي تخلت عن هذه العقوبة وهي اليوم الأغلبية في العالم وتضم دولا لا تقل عن تونس تمسكا بالإسلام مثل تركياquot;.
وذكر الرّئيس الحقوقي أنّه راسل المجلس التأسيسي في جوان/ يونيو 2013 وبيّن أن عقوبة الإعدام لم تظهر أبدا أي جدوى في الحد من الجريمة وأنها استعملت دوما لتصفية الخصوم السياسيين وقهر الطبقات الفقيرة.
وكان المرزوقي قد أصدر في الذكرى الأولى للثورة التونسية عفواً عن 122 سجيناً محكومين بالإعدام، وذلك بتخفيف عقوباتهم إلى السجن مدى الحياة وتحسين ظروف إقامتهم داخل سجنهم الانفرادي مع منحهم فرص الزيارة التي كانوا محرومين منها سابقاً.
وصادق المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) بداية الأسبوع الجاري على فصل في الدستور الجديد للبلاد أبقى بموجبه على عقوبة الإعدام التي لم تطبق منذ سنة 1991 بعد رفض الفصل الذي ينص على أنّ quot;الحق في الحياة مقدس، ويحمي القانون هذا الحق، ولا تجوز عقوبة الإعدامquot;.
وصوّت 135 نائبًا من أصل 174 شاركوا في عملية الاقتراع على الفصل 21 من الدستور، الذي يقول quot;الحق في الحياة مقدس، لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانونquot; فيما رفضه 28 نائبًا.
حاولنا ولكن...
وفي إفادة لـquot;إيلافquot;، قال النّائب عن المسار الدّيمقراطي ( يساري معارض) أحمد إبراهيم إن الإبقاء على عقوبة الإعدام نكسة في دستور يؤسس لدولة ديمقراطيّة ونقطة سوداء لطّخته، معتبرا أن المس من حق الأفراد في الحياة ولّى عهده ولم يعد معمولا به في البلدان الدّيمقراطيّة الغربيّة وحتى الإسلاميّة.
وتابع النّائب الرّافض لعقوبة الإعدام: quot;حاولت رفقة عدد من النّوّاب من الكتلة الديمقراطيّة منع الإبقاء على عقوبة الإعدام ولكنّنا لم نفلح بسبب تشبّث كتلة حركة النّهضة التي تمثّل الأغلبيّة في المجلس التأسيسي بإقرار الإعدام في الدّستورquot;.
في الإتّجاه ذاته، قالت النائبة المعارضة لعقوبة الإعدام نادية شعبان، انه تم منذ استقلال تونس سنة 1956 وحتى سنة 1991 تنفيذ حكم الاعدام في 137 شخصًا، بينهم 129 تم إعدامهم quot;لأسباب سياسيةquot; في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الذي حكم تونس من 1956 إلى 1987.
الجماهير طالبت بوجود الإعدام
المقرّر العام للدّستور ،الإسلامي الحبيب خضر، والذي يتبنّى موقف الإبقاء على عقوبة الإعدام، تساءل خلال لقاء مع quot;إيلافquot;: quot;لماذا تحذف عقوبة الإعدام والكثير من الدّول العربيّة الإسلاميّة تقرّها ؟quot;.
ويتابع خضر: quot;النصّ لا يتضمّن صراحة عبارة الإعدام ولكن ينص أيضا على ان القانون هو الذي يحدّد الحالة ويصفها بالقصوى واعتقد أن مصلحة مجتمعنا تتطلّب وجود هذه العقوبة حتى يتمكّن من مجابهة بعض الآفات التي يمكن أن تهدّده فقد رأينا في عديد الوضعيّات والملفّات الجماهير تخرج للشّارع للمطالبة بإعدام السفّاحين لذلك لن نغلق الباب نهائيّاquot;.
ويرى المقرّر العام للدّستور أنّ هناك فرقا بين مشمولات النصّ القانوني في إقرار عقوبة الإعدام من عدمها ومشمولات القاضي في الحكم بها، أمّا التنفيذ فليس مهمّة المشرّع بطبيعة الحال وبالتّالي قرار عقوبة الإعدام يمكن ان تتّخذها جهات اخرى فبالنّسبة لنا هو نص قانوني ويمكن ان تكون الممارسة غير مطابقة له.
وكان رئيس حركة النهضة الحاكمة راشد الغنوشي قد دعا في أبريل الماضي إلى إعادة تطبيق عقوبة الإعدام، وذلك بعد اغتصاب حارس حضانة أطفال في العاصمة طفلة في سن الثالثة، في حادثة هزت الرأي العام في البلاد.
وقال الغنوشي آنذاك: quot;نحن نقول إن عقوبة الإعدام قانون طبيعي، النفس بالنفس، ومن هدّد حياة غيره ينبغي أن يدرك أنه يهدد حياته، فينبغي أن تواجه هذه الجرائم بأقصى العقوبةquot;.
بين الإقرار القانوني والإلغاء التنفيذي
من جانبه، إعتبر قيس سعيد استاذ القانون الدستوري أن القانون الجزائي هو الإطار الطبيعي لإقرار عقوبة الإعدام من عدمها وليس الدستور ولا لم يكن هناك أي داع لطرح هذا الموضوع على الإطلاق في الدّستور.
يذهب الخبير الدّستوري من خلال تصريحه لـquot;إيلافquot; إلى أن الحل يكمن في الإبقاء على الصّيغة التي تتبنّاها تونس منذ أكثر من عقدين والمتمثلة في وجود العقوبة لكن دون تنفيذ أي quot;أن تبقى عقوبة الإعدام بين الإقرار القانوني والإلغاء التنفيذيquot;، على حد تعبيره.
ونُفّذ آخر حكم إعدام في تونس سنة 1991 على الرغم من أن تونس لم تصادق على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام.
وتواصل المحاكم التونسية إصدار أحكام بالإعدام تطبيقاً للمجلة الجزائية الجاري بها العمل، دون تنفيذ هذه العقوبات، خاصة بعد أنوقعت تونس في 21 ديسمبر 2012 على توصية الجلسة العامة لمنظمة الأمم المتحدة المتعلقة بوقف تنفيذ هذه العقوبة.
تجدر الإشارة إلى أنّه من المنتظر أن ينتهي المجلس التأسيسي (البرلمان) من المصادقة على الدّستور برمّته يوم 13 جانفي/يناير الجاري.
التعليقات