كانت الهجمات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس ليل الجمعة 13 من نوفمبر الجاري،القشة التي قصمت ظهر البعير،ووحدت العالم أجمعين على ضرورة مقاومة الإرهابيين الصغار وفسح المجال لآخرين كبار بأن يقوموا بمواصلة إرهاب البشر والحجر.

&يشير المثل المذكور إلى حدث صغير يحدث أثرًا كبيرًا (معنويًا عادةً) ليس بذاته فقط بل لأنه جاء بعد تراكم كثير من الأحداث،كالبعير الذي يُحمَّل الأحمال الثقال حتى لم يعد يحتمل شيئا آخر ثم تضع فوقه حملًا صغيرًا (كالقشة مثلًا) فينقصم ظهره، ظاهريًا بسبب القشة،ولكن حقيقةً بسبب عدم مقدرته على حمل كل الأحمال السابقة.

لم يعد النظام الدولي يحتمل أن تواصل سوريا ايواء الجهاديين من كل حدب وصوب لتكون قاعدة انطلاق مادية أو معنوية للقيام بهجمات دامية داخل أوروبا وأمريكا،فبات من المتفق عليه أن يكون الأسد شريكا أساسيا في محاربة الإرهاب لا عدوا رئيسيا عند بعض المشاركين في مؤتمر فيينا بعد أن قدم وعودا على ذلك.

فعندما يعلن وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير أن المشاركين في اجتماع فيينا حول سوريا اتفقوا على جدول زمني محدد بشان سوريا يؤدي الى تشكيل حكومة انتقالية في هذا البلد خلال ستة اشهر وإجراء انتخابات خلال 18 شهرا وتشمل تشكيل حكومة سورية انتقالية خلال ستة أشهر دون الإتفاق حول رحيل الأسد فلا يمكن لعاقل أن يتصور للحظة أن الإرهاب سيتوقف خاصة بعد أن أضحت الأزمة السورية حربا مقدسة عند البعض وطائفية عند البعض الاخر.

لم يكن ما أضافه الوزير الالماني بخصوص كواليس المحادثات من أن هجمات باريس ليل الجمعة-السبت هيمنت على الاجتماع “وزادت من التصميم على احراز تقدم زلة لسان من سياسي محنك بل كانت إشارة ضمنية إلى أن القلم قد رفع عن مصير الأسد من عدمه وأن التوافق قد حصل على ضرورة اجتثاث الإرهاب الجهادي قبل الإرهاب الأسدي.

لقد بات من شبه المؤكد انعقاد إجماع المجتمع الدولي برمته على أن جبهة النصرة الفرع السوري لتنظيم القاعدة و"الدولة الإسلامية" هما على رأس قائمة المنظمات الإرهابية الموجودة على الأراضي السورية والتي يجب على المجتمع الدولي أن يقضي عليها قبل تحديد مصير الرئيس بشار الأسد.

وقد نقل وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل هذا الإجماع أمس خلال اختتام الجولة الثانية من المحادثات الجارية في فيينا بشأن الأزمة السورية على أن الدبلوماسيين اللذين يمثلون الدول الداعمة لأطراف النزاع المختلفة في سوريا اتفقوا على إدراج تنظيم "الدولة الإسلامية" وجماعة "جبهة النصرة" في قائمة المنظمات الإرهابية.

في الحقيقة يمكننا القول رحم الله الحكيم العربي الذي قال سابقا "تمخض الجبل فولد فأرا" وهذا المثل العربي مفهومه أن الجبل الكبير يخرج من أحد شقوقه فأر صغير،ويُضرب هذا المثل لمن يـُـتوقع منه الكثير لكنه يأتي بالشيء القليل والحقير الذي لا يتناسب مع حجمه الحقيقي أو المتوهم.

"فيينا" هي عاصمة النمسا وأكبر مدنها،سميت بهذا تطويرا عن اسمها اللاتيني القديم (فيندوبونا) ومعناه الهواء الجميل أو النسيم العليل،هذا الهواء الجميل والنسيم العليل الذي استنشقه مبعوثو 17 دولة وعلى رأسهم ديبلوماسيو الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا،لم يُعِدْ إليهم رشدهم ولم يُخرجهم من بوتقة التجارة بدماء الشعب السوري الذي أضحى إما قتيلا وإما جريحا وإما مهجرا وحتى وإن كتب له العيش داخل سوريا فمكانه بين المطرقة والسندان.

هلّل القوم وكبّروا وصعدوا أعالي المنصات وأعلنوها مدوية "لقد اتفقنا على أن تكون جبهة النصرة والدولة الإسلامية على رأس قائمة المنظمات الإرهابية في سوريا" وكأن القوم قد أحدثوا بدعة لا سابق لها،فمن من القوم عربا وعجما لا يعرف اليوم أن هاتين الجماعتين كانتا مدرجتين على لائحات المنظمات الإرهابية الدولية منذ سنتين بل لا نبالغ إن قلنا إن كل متعاطف أو مناصر لهما هو في الخانة نفسها حتى قبل أن تلده أمّه.

نريد أن نعرف كيف كانت ردة فعل حامي حمى الشعب السوري بشار الأسد الذي نصح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في تصريح لقناة تي أف 1 الفرنسية أمس السبت أثناء لقاء جمعه بوفد فرنسي يضم عددا من البرلمانيين والمثقفين والإعلاميين بأن يعمل لمصلحة شعبه مؤكدا على أن السياسة الفرنسية طيلة السنوات 5 الماضية لم تعد على الشعب الفرنسي بأي خير ومن أجل ذلك عليه أن يغير سياساته تلك.

يعلم الرئيس السوري جيدا أن النصيحة من الدين وأنه لن يبخل على أي شخص مهموم أو مكلوم بالنصح له وتقديم الخدمات والتعاون معه حتى وإن كلفه ذلك أرواح أكثر من 200 ألف سوري وملايين المهجرين والنازحين.

تبا لفيينا ولجنيف ولكل المؤتمرات التي أجّجت الحرب الأهلية في سوريا بما يخدم مصالحها ومصالح جيوبها وشعوبها وكراسيها،فعندما يتمخض مؤتمر فيينا ويلد حمقا وغباء فما الذي ننتظره من هذه الدول الكبرى التي لا تزال متنازعة في مصير الأسد منذ 5 سنوات.

عندما يتفق المشاركون في محادثات فيينا الهادفة لإنهاء الحرب في سوريا على عقد لقاء جديد “خلال نحو شهر” لإجراء تقييم للتقدم بشأن التوصل لوقف لإطلاق النار وبدئ عملية سياسية في البلد المضطرب مع تحديد جدول زمني لتشكيل حكومة انتقالية في سوريا خلال ستة اشهر وإجراء انتخابات خلال 18 شهرا دون البت في مصير الرئيس السوري بشار الأسد،فلا تنتظر أن يتوقف الإرهاب وأن ينتهي الإرهابيون من استهداف كل جامد ومتحرك يعترضهم في البر والبحر والجو في كل القارّات.

نرجو أن نجد تبريرا مقنعا،لماذا لا يتم إشراك أبو محمد الجولاني أو أبو بكر البغدادي أو أن يتم تمثيلهما في المؤتمر القادم فالرجلين رغم أنهما مصنفين كإرهابيين دوليين لا يمكن أن يكونا أكثر إرهابا من بشار الأسد،فلماذا وسّع الأميركيون من دائرة التأويل للأسد وضيقوا الخناق على الجولاني والبغدادي خاصة وأن كيري قال إننا “أُبلغنا من خلال شركائنا في هذه الجهود -الموجودين معنا على الطاولة- بأن الأسد مستعد للتعامل بجدية ومستعد لإرسال وفد ومستعد للمشاركة في مفاوضات حقيقية” فلماذا لا يتم السماح لزعيمي النصرة وتنظيم الدولة بذلك أيضا.

الأزمة السورية تدخل عامها السادس دون وجود بوادر انفراج،والعالم مقبل على تطورات وأحداث يشيب لها الولدان خاصة بعد أن وصلت الهجمات الإرهابية إلى ذروتها في الفترة الأخيرة بعد استهداف حوالي 600 مدني أو أكثر بين قتيل وجريح في مصر ولبنان وفرنسا بتعلة تدخل دول هؤلاء الرعايا في الحرب على "الدولة الإسلامية" في سوريا و إن سألت كبار المتفائلين من أنصار التنظيم عن امكانية تصور حدوث هذه الهجمات المتزامنة في 10 أيام سيجيبك حتما بلا.

نقول لكم ارحموا السوريين وكفوا عن تجارتكم بقضيتهم العادلة فبئس البيع والشراء الذي سيؤدي بالعالم الى حرب كونية تقضي على الأخضر واليابس.

&

&صحافي تونس