&
في اليوم الذي تم فيه الاعلان عن تعرض شخص للاعتقال في تايلند بسبب قيامه بنقر "اعجاب" على صورة للملك التايلاندي بوميبول أدولياديج تم التلاعب بها بواسطة الفوتوشوب، كان الشارع الفيسبوكي العراقي مشغولا، الى حد ما، بمنشور كتبه او نشره، على نحو ادق، صباح يوم الاحد الماضي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على صفحته الشخصية في الفيسبوك.
المنشور الذي اصبح مادة للنقاش والجدل في منصات الاعلام الجديد والذي اجده، ومن خلال متابعاتي ورصدي، غير مسبوق من اي مسؤول عراقي بمستوى هرم السلطة التنفيذية في الوقت الحالي، كان، من وجهة نظري الشخصية، يرمي الى ايصال ثلاث افكار بسيطة وواضحة يمكن اجمالها بما يلي :
1- ان رئيس الوزراء يطّلع على مايكتبه المواطنون على صفحته.
2- هو ينتظر التعليقات والاراء التي قد تخدم البلد ويستفيد منها.
3- انه يتحمل ويفهم حتى الاساءات التي يكتبها البعض في تعليقاته.
وبغض النظر عن دوافع كتابة المنشور وردود الفعل التي ولّدها، فأن الواضح انه يأتي في سياق اهتمام العبادي بالعالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي التي تعد نتيجة حتمية للتطورات التكنولوجية التي احدثت تحولا عميقا وجذريا في العالم، وبوابة ضرورية، لا مناص منها، لفهم اراء الجمهور ووجهات نظر المواطنين في العديد من المسائل التي يتم ويدور النقاش حولها.
يؤكد المفكر الفرنسي فيليب كايو، وكما جاء في كتاب الدكتور كريم الجاف "مشكلات الفلسفة في العصر الرقمي" : ان انبثاق الثقافة السيبرية متصل بعملية العولمة والتغيرات الثقافية والاجتماعية التي لازمتها، وانها تستند الى نماذج فكرية، ومناهج وممارسات تختلف عن تلك التي نألفها في العالم الحقيقي"، وهذا يعني ان كل مانشهده في الوقت الحالي على مواقع التواصل الاجتماعي هو جزء من الثقافة السيبرية وثمرة من ثمار العصر الرقمي التي جاءت، في الكثير منها، عابرة لحدود الدول متجاوزة للمحظور، غير منضبطة، ولامنظمة يشوبها الفوضى وتتخللها التلقائية ويعتريها العنفوان والعفوية والخروج عن الاطر الاجتماعية والقيم التقليدية التي نشأ عليها الكثير.
هنا أود الاشارة الى ان القيم الاخلاقية كانت من بين اهم ماخضع للتغير مع هذا السيل الجارف من التحولات التي حدثت في العالم على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وما تراه من نشاطات، سواء كانت تعليقات او منشورات في مواقع التواصل، تشير بوضوح، ومن غير ادنى شك، لهذه الحقيقة التي ينبغي لنا وضعها في الاعتبار حينما نقرأ ، بالمعنى التأويلي او التفسيري للكلمة، كل مايكتبه الاشخاص في حساباتهم وصفحاتهم الشخصية في العالم الافتراضي.
ويتعرى امامنا وجه من وجوه القيم الاخلاقية والسلوكية حينما ننظر بصورة دقيقة وواعية لردود افعال المواطنين التي رافقت منشور رئيس الوزراء العراقي، اذ تجد ان هذه الردود قد تفاوتت بين جدّيتها واحساس بعضهم بصدق الكلمات والمعاني التي تختفي وراءها، وبين من استهزأ بها ومارس معها سلوكا غير واع ومشين كشفت عنه التعليقات المليئة بالتجريح والشتائم التي تنتهك حرمات الاخرين والعبارات التي يعف لسان المرء وقلمه عن ذكرها، ما يؤشر الى خلل اخلاقي خطير في المنظومة السلوكية لهذه العينة من المعلقين.
وبينما افتتح العبادي منشوره بالسلام على المواطنين ومخاطبتهم بصيغة الاخ والاخت والاصدقاء وعلى نحو يوحي بعلاقة افقية مع الناس على غير عادة العلاقات العمودية بين المسؤول والمواطن كما يعرف ذلك خبراء السوسيولوجيا، ترى في المقابل ان بعض المعلقين لم يردوا على هذه اللغة المؤدبة بنظيرها في الاسلوب ومثيلها في المستوى، فلم ينقد المنشور باسلوب منطقي او يرد عليه على نحو معقول نتمنى ان نراه مع جميع المنشورات من اجل اثرائها واغنائها بالافكار والاطروحات التي يمكن الاستفادة منها، بل نجد بعضا من المعلقين من تعمد الاساءة وأمعن في الغواية والتعليق بنحو سيء متجاوزا الحدود الاخلاقية التي ينبغي للانسان السليم ان يتحلى بها.
مشكلة مستوى الانحدار في التعليقات التي يكتبها بعضهم في صفحات التواصل سواء كانت مع حواراتهم مع الاخرين او في صفحات المسؤولين، تقتضي من الباحثين والخبراء، وفي التخصصات المعنية بهذا الامر، الوقوف عندها ودراستها ومعرفة اسباب هذا التدني الاخلاقي والانحطاط الواضح في مستويات بعض الناس وعلى هذا النحو الذي يثير الاستغراب والتقزز احيانا والتي سنفرد لها مقالا او بحثا خاصة للنقاش والبحث والتمعن فيها كظاهرة مستشرية في فضاءاتنا الرقمية.
ان الكتابة في العوالم الافتراضية قد كشفت حقيقة العديد من الناس من خلال كتاباتهم وتعليقاتهم التي اضحت تمثل جانبا من شخصياتهم ونمط تفكيرهم واسلوب حياتهم، حتى وان تخفوا وراء حجابات العالم الافتراضي وارتدوا اقنعة يصعب او يستحيل معها التعرف عليهم ، لكن ، وهي الازمة الاعمق، ان الكثير من هؤلاء من اصحاب التعليقات المسيئة والخادشة للحياء هم من الشخصيات التي من الممكن معرفتها ولايخفي نفسه تحت قناع يحول دون الكشف عنه ، فهو كأنما يقول؛ هذا انا فلان ابن فلان..اشتم هكذا واتجاوز واسيء واستخدم علنا بلا حياء هذه اللغة السوقية الدنيئة ولا اخاف لا منكم ولا يهمني حتى &ضميري...
هذا النوع من الشخصية عليه ان يراجع نفسه وينشط ذاكرته التي يبدو انها خانته وانسته سنوات الاحتراق النفسي والاختناق الذاتي الذي عاشها المواطن العراقي في زمن نظام البعث حينما كانت السلطة الحاكمة تحسب عليها حتى انفاسه، وان كنت مؤمنا في قرارة نفسي بان بعض من هذه التعليقات السيئة هي نوعا من التفريغ النفسي لحالات داخلية لدى الانسان يخطئ في التعبير بصورة صحيحة عنها، بالاضافة الى تربيته والبرمجة التي حصل عليها في سنوات تشكيل شخصيته وبنائها.
نعم هي ضغطة زر بسيطة على بعض المفاتيح، لكنها تكشف عن اشياء كثيرة في شخصية الانسان وتُعرف من خلالها انماط عديدة من سلوكه و تعري الكثير من افكاره وقيمه وربما تؤدي به في المهالك كما حدث مع المواطن التايلندي بورين ثونغبرابي الذي اعتقل وسيسجن ربما ل32 عاما بعد ان قام بعمل لايك لصورة تسخر من ملك تايلند !!! مع تأكيدنا على انه من الممكن ان تؤدي الكثير من هذه الاساءات الى ادانة اصحابها، ولو على نحو محدود وليس بالطريقة التايلاندية طبعا، وفضح تعاملها المزدوج والمنافق خصوصا ممن يعمل مع الدولة ومن يحسب من المستفيدين منها ومع ذلك تجده يسير في خط آخر ضد هذه الدولة وتوجهاتها وبرنامجها الحكومي.
المعلقون في صفحة رئيس الوزراء وغيرها من صفحات المسؤولين يستفيدون من فضاء الحرية " غير المنضبظ" الذي يخيّم على اجواء العراق بعد 2003، حيث نظر الكثير منهم &للحرية بموشور الفوضى وفهمها على انها تحرر غير مسؤول، وانعتاق من اسر القانون والقواعد، والا كيف تفهم ان جندي في الجيش العراقي يشتم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة باقذع الالفاظ في صفحته على الفيسبوك بصورة علنية ؟&
هل يستطيع هذا الجندي ان يشتم ضابط في وحدته العسكرية ؟ او آمر فرقته ؟&
وكيف يقوم مواطن آخر معروف الهوية بكتابة تعليقات مسيئة على صفحة رئيس الوزراء ؟ وهو لايقبل ابدا ان يقوم اي شخص آخر بكتابة تعليق مسيء على صفحته الشخصية.&
وهل من المنطقي ان يقوم مسؤول حكومي او موظف في مجلس الوزراء او في اي دائرة أخرى من دوائر ومؤسسات الرئاسة وغيرها بشتم الحكومة &والاسائة لها مع انه جزء منها ؟&
هل برأيكم ان رئيس الوزراء عاجز عن معاقبة او معرفة جندي أو موظف يشتم ليل ونهار رئيس الوزراء والحكومة ؟
اؤكد لكم ان الموظف العادي لو قام بشتم الوزير الذي يعمل لديه لما بقى في وظيفته اسبوع واحد، لكن نفس هذا الموظف يقوم بشتم رئيس الوزراء في التعليق والاسائة له من غير حساب او لوم او عتب من اي طرف آخر، وهذا برأيي تقصير في كل نظام الدولة العراقية من جهة والنظام الاخلاقي لهذا الانسان من جهة ثانية، مع الاشارة الى ان النقد البناء والايجابي مطلوب بل واجب في اي مرحلة سياسية ولأي شخصية تتبوأ منصبا سياسيا، اما الشتيمة واطلاق الرذائل والاشاعات والكذب، فهذا امر منبوذ اخلاقيا قبل ان يكون سياسيا.

مهند حبيب السماوي / باحث في مجال السوشل ميديا