&فشلت المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بين الحكومة اليمنية وبين الحوثيين في جنيف. هذه المفاوضات كانت مبرمجة لمدة اسبوع لكنها انتهت في يومها السادس وأصابها الارتباك عدة مرات في هذه الفترة بفعل عدم حضور وفد الحوثيين و تغيّبهم من الاجتمعاعات أو الخلافات التي نشبت بين الحوثيين وبين انصار علي عبدالله صالح. والنتيجة الوحيدة التي تمخضت عن هذه المفاوضات هي الوعد بمواصلة المفاوضات في منتصف الشهر المقبل يناير 2016.

وهناك اخبار دقيقة وصور تشير إلى وجود دبلوماسيين ومستشارين من نظام الملالي ومن حزب الله في هامش المفاوضات. ونقلت صحيفة الشرق الأوسط، عن مصادر قريبة من المفاوضات أن “دبلوماسيين وخبراء إيرانيين كانوا موجودين إلى جانب عناصر أخرى في بلدة بييال التي تدور فيها المشاورات بين الحكومة اليمنية الشرعية ووفد الانقلابيين برعاية من الأمم المتحدة”. وأشارت إلى أن “ناصر أخضر، وهو عضو فاعل في الحزب اللبناني ويشغل منصباً كبيراً في قناة المنار التابعة للحزب كان من بين الموجودين مع الوفد الحوثي”. بالمناسبة هذا الشخص من رعايا الملالي في طهران ومنصوب من قبلهم. وصورة هذا الشخص مع الوفد اليمني نشرت على شبكات التواصل الاجتماعي

من جهة أخرى الحرب مشتعلة في مختلف المناطق خاصة في تعز حيث أسفرت عمليات القصف الحوثي عن مقتل عديد من المدنيين. من جهة أخرى أعلنت وكالة أنباء فارس الإيرانية والتابعة لقوات الحرس أن الوحدة الصاروخية التابعة للحوثيين اعلنت عن اطلاق صاروخين من نوع قاهر على مدينة جازان السعودية. كما أعلنت هذه الوكالة بأن 300 من الأهداف السعودية أصبحت في مرمى نيران الحوثيين.

وكانت مفاوضات جنيف تهدف إلى آلية لتطبيق القرار 2216 الصادر من مجلس الأمن الدولي بالإجماع في شهر ابريل من هذا العام. وأعلنت قناة اسكاي نيوز أن مبعوث الأمم المتحدة لليمن، إسماعيل ولد الشيخ، أعلن أن الحوار في جنيف سيرتكز على تطبيق القرار رقم 2216. ولاحاجة إلى كثير من التحرّي لفهم أسباب ارتباك الحوثيين وإفشالهم المفاوضات لأن قوات القدس و من يعمل بإمرتهم هم الذين يديرون هذه المفاوضات، ونظام ولاية الفقيه لايريد التقدم في المفاوضات وتطبيق القرار2216.

وإذا عدنا قليلا إلى الوراء نرى أن نظام ولاية الفقيه قبل أكثر من ربع قرن وعقب هزيمته في الحرب العراقية الايرانية وباستخدام تجاربه في تشكيل حزب الله اللبناني بدأ يفكر في تنظيم مجموعة عميلة له في اليمن حتى تكون نقطة انطلاق له للتطاول على اليمن وشبه الجزيرة العربية وذلك نظرا الى النسيج الديني في هذا البلد.

وقد كشفت لجنة الأمن ومكافحة الارهاب في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في شهر مارس من هذا العام جوانب من مخططات ومشاريع نفذها نظام ولاية الفقيه خلال هذه السنوات في اليمن بهدف بسط نفوذه هناك والوصول على باب المندب من جهة والسيطرة على شبه جزيرة العربية وتطويق المملكة العربية السعودية. من بينها تشكيل حزب سياسي تابع له والقيام بتعليم الحوثيين في جامعة المصطفي بمدينة قم الإيرانية وجعلهم يغيرون مذهبهم من الزيدية إلى الشيعة الإثناعشرية، حيث كلّفوا بتبليغ خامنئي كزعيم ديني لهم.

وقبل سقوط صنعاء بيد جماعة الحوثيين والانقلاب ضد الحكومة الشرعية صرّح عليرضا زاكاني من المقرّبين بخامنئي في سبتمبر من العام 2015 بقوله « في اليمن هناك حدث أهم وأكبر من لبنان في حال التكوين بحيث يسيطر الثوار على 14 محافظة من اصل 20 محافظة يمنية وكذلك 90 بالمئة من مدينة صنعاء... وبذلك انهم قلبوا كل موازين القوى. وبعد الانتصار في اليمن بالتأكيد سيأتي دور السعودية لان هذين البلدين لديهما ألفا كيلومتر حدودا مشتركة من جهة وهناك اليوم مليونا مسلح منظم في اليمن...

اليوم الثورة الاسلامية تسيطر على 3 عواصم عربية وبعد فترة سوف تسيطر على صنعاء ايضا وسوف تنفذ منهج توحيد المسلمين»!

وبعد السيطرة على عدن قال رحيم صفوي القائد العام السابق لقوات الحرس والمستشار العسكري الأعلى لخامنئي بكل صلف في اجتماع خاص بالحرس: «أربعة من عواصم دول المنطقة باتت تحت أيدينا. ويكفى أن نعطس حتى تصبح المنامة العاصمة الخامسة بيدنا، وحتى الآن احترمناهم ولم نقم بالاستيلاء على المنامة وستكون المرحلة المقبلة العربية السعودية.»

وفي السياق نفسه قال أحد قادة الحرس في مارس 2015 في اجتماع بشأن اليمن: «الحوثيون مطيعون لإيران بشكل كامل. ولاحاجة لأن تكون لنا أفراد في اليمن، لنا هناك أفراد، لكنها ليست كالعراق الذي يجب أن يكون الحاج قاسم [يقصد قاسم سليماني قائد قوات القدس] على رأس الجماعات العراقية، وإلا خلال خمس دقائق سيشتبك العراقيون بعضهم ببعض. الحوثيون مطيعون تماماً لإيران. لاحاجة هناك لسيد فوقهم. هذا الجانب من الحوثيين وتبعيتهم غريب وأكثر مما يتصور. »

كانت الحالة لصالح نظام الملالي 100% حتى جائت عاصفة الحزم كصاعقة عليهم. هذه المبادرة قلّبت الموازنة الإقليمية ضد حسابات ولاية الفقيه. وكانت هذه المبادرة أحد الأسباب لخسارة نظام الملالي في العديد من المعارك العسكرية والسياسية، من بينها بداية انهياره في سوريا.

وبعد ما بدأت فترة الانكسارات لولاية الفقيه في سوريا وفي العراق وفي الداخل الإيراني أيضا فلاشك أن هذا النظام سيلجأ بإحراق أوراقه في اليمن من أجل بقائه في السلطة. وأصلا كانت هذه الغاية وراء «الاستثمار» في هذا المجالات. لأن هذه الكيانات التي شكّلها في لبنان وفي اليمن وفي دول أخرى يريدها أن تكون كبش فداء من أجل بقاء «أمّ القرى»(!) التي هي عاصمة ولاية الفقيه.

والتجربة التي مرّ بها حزب الله خير دليل على ذلك حيث قام خامنئي بتضحية هذا الكيان الذي راهن عليه كثيرا حتى استحوذ على مكانة خاصة بين السذّج من الناس بأنه حركة مقاومة. وفعلا كان هناك كثيرون انطلوا عليهم هذه اللعبة حيث كانوا ينظرون في حزب الله بأنه سد منيع في وجه إسرائيل. لكن حسابات البيدر تختلف عن حساب الحقل. وعند ما شعر خامنئي بأن الفشل سيكون حليفه في سوريا فأمر أن يزجّ حسن نصرالله بقواته كاملة في سوريا للدفاع عن جرائم بشار الأسد ولقتل أبناء الشعب السوري الأبرياء وبذلك أقحم خامنئي ذيله اللبناني في المستنقع السوري ولطّخ يديه بدماء أطفال ونساء وشيوخ سوريا، وبذلك أحرقه في هذا الأتون وبذلك تحوّل أسم هذا الكيان التابع لولاية الفقيه حتى العظم من حزب الله إلى«حزب الشيطان». ومعروف أن حسن نصرالله في البداية كان مترددّاً في دخول الحرب السورية لكن خامنئي «أمر» بذلك فأطاعه.

وهذا الاسلوب من التصرف هو منطق ولاية الفقيه حيث أنها لن تفي بأحد. تاريخ هذا النظام مليئ بمثل هذه المنعطفات حيث أعدم خميني إبنه المعنوي صادق قطب زادة وقام بعزل أية الله منتظري الذي كان الخليفة المعين له ووضعه تحت المراقبة حتى نهاية عمره.

ويبدو أن نظام الملالي بدأ بتطبيق هذا المنطق على الحوثيين أيضاً. لأن من الواضح أن معادلة القوى على الأرض اليمنية ليست لصالح الحوثيين وأنهم سيخسرون المعركة نهائياً. فإذا كانوا يبحثون عن مصالحهم فكان عليهم أن يخضعوا لتطبيق القرار الأممي 2216، لكن نظام ولاية الفقيه يرى من مصلحته أن تكون الحرب مشتعلة في اليمن، فلايسمح لهم بقبول القرار انطلاقا من مصالحهم الحزبية. وهنا يمكن فهم مدى تبعية الحوثيين بالنظام الإيراني حيث لم يعد لهم إرادة لاتخاذ قرار وفق مصالحهم الحزبية ناهيك عن المصالح الوطنية. لكن يجب القول للحوثيين والمتحالفين معهم: حذار من التمادي في أن يكونوا أداة طيعة بيد نظام ولاية الفقيه الذي هونفسه في طور الزوال.

&

*رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية